Right of withdrawal from international organizations with the application of the situation to the Gulf Cooperation Council

            بسم الله الرحمن الرحيم

 

حق الانسحاب في المنظمات الدولية مع تطبيق الوضع على مجلس التعاون لدول الخليج العربية

لقد اقتحمت المنظمات الدولية في وقتنا المعاصر معظم مجالات القانون الدولي العام ، وجاءت نشأتها استجابة لضرورات التعاون الدولي في المجالات المتعددة للحياة.[1] والمنظمات الدولية كيانات قانونية تتمتع بشخصية قانونية مستقلة عن الدول الأعضاء التي ساهمت في نشأئها. ويدعو المجتمع الدولي إلى الإكثار من هذه التجمعات التي من شأنها أن تحقق التقارب بين أعضائها[2] – على اختلاف توجهاتهم وأيديولوجياتهم. إلا أن الانخراط في عضوية المنظمات الدولية لا يعني قيام علاقة غير قابلة للإنفصام بين الدول الأعضاء وهذه المنظمات الدولية، وإنما كما يكون لهذه العضوية بداية فإنها تكون قابلة للنهاية.

فإذا كان الأصل استمرار العضوية طالما ظلت المنظمة قائمة، فقد يعتريها عارض ينهي هذه العضوية إما بسبب راجع لإرادة الدولة – وهو ما يهمنا – وإما بموجـب قرار من المنظمة الدولية ذاتها كعقاب[3] بالوقف أو الفصل، وهو ما لا يدخل في نطاق هذه الدراسة. لذا فقد خصصنا بحثنا لدراسة حق الانسحاب لأنه أكثر الأسباب – من الناحية الواقعية – المؤدية إلى فض علاقة العضوية بين الدولة لعضو والمنظمة الدولية.[4]

ولا تعني حرية الدولة في فض عضويتها أن يترك الأمر دون قيد أو شرط، وإنما هي حرية مقيدة وتخضع لعدد من القيود التي تؤكدها الاتفاقيات الدولية المنشئة للمنظمات الدولية. إلا أن حق الانسحاب هو حق غير راسخ وغير واضح المعالم في عدد من المنظمات الدولية التي غفلت أو تغافلت معالجة هذه المسألة. فهناك من لا يجادل بحق الدول الأعضاء بالانسحاب من المنظمات الدولية أياً كان موقف النصوص من هذا الحق استناداً إلى أنه لا يمكن إجبارها على المشاركة في المنظمة رغم إرادتها،[5] وذلك انطلاقاً من المبدأ القائل بأن كل ما لم يتم النهي عنه صراحة فهو مباح، حيث أنه يتماشى مع مبدأ سيادة الدول الأعضاء.[6]

وإن كنا نتفق نسبياً مع هذا الرأي، إلا أننا نوجس فيه تجنياً على كيان واستقرار المنظمات الدولية، فلا بد من الموازنة بين مصلحتين: الأولى هي حق المنظمة الدولية بالعمل باستقرار وثبات وانتظام، مما يحقق مصلحة المنظمة الدولية وبقية الدول الأعضاء، والثانية هي حق الدولة بعدم إجبارها على المشاركة قسراً في أنشطة المنظمة الدولية. وبالتالي لا يمكن إطلاق حق الانسحاب منعاً لإقرار التعسف باستعمال الحق من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يمكن تجاهل  المصلحة العامة للمجتمع الدولي أو لمجموعة من الدول لمجرد أن إحدى الدول تقدم مصلحتها الخاصة على أي أمر آخر.

ومن المنظمات الدولية التي تستحق دراسة حق الانسحاب فيها هي منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي أضحت معالجة وبحث حق الانسحاب فيه أمراً ملحاً بعد تعدد المنازعات الخليجية – وهو أمر طبيعي بين أعضاء المنظمات الدولية، إلا أنها غدت أكثر إلحاحاً بعد الغياب المتكرر لعدد من الأعضاء في مجلس التعاون إثر خلافاتهم الثنائية، حيث لوحت دولة قطر بعدم الرغبة في المشاركة في اجتماعات المجلس الأعلى المقررة في عام 1993 إثر خلافها الحدودي مع المملكة العربية السعودية بشأن منطقة الخفوس، وانسحاب أمير قطر من الجلسة المنعقدة للمجلس الأعلى في عمان خلال الدورة السادسة عشر 1995، وتغيب دولة البحرين عن المشاركة في الدورة السابعة عشر للمجلس الأعلى. كل هذه الأوضاع تجعل من مواجهة حق الانسحاب مسألة غاية في الأهمية.

فالأسئلة التي تثور بهذا الخصوص هي: هل يجوز الانسحاب من المنظمات التي لم تتطرق لحق الانسحاب؟ ما هي إجراءات هذا الانسحاب؟ وما هي التزامات العضو المنسحب تجاه المنظمة الدولية؟ وما الوضع القانوني لشخصية المنظمة القانونية اثر هذا الانسحاب؟ أسئلة كثيرة تتردد وسنحاول الإجابة عليها من خلال الصفحات القليلة القادمة ومن خلال التعرض للتعريف بحق الانسحاب ومواقف المنظمات الدولية تجاهه (الفصل الأول)، وكيفية التوفيق بين تحريم الانسحاب وحرية المشاركة في أعمال مجلس التعاون لدول الخليج العربية (الفصل الثاني).

 

الفصل الأول:

التعريف بحق الانسحاب ومواقف

المنظمات الدولية تجاه هذا الحق

لزاماً علينا – وقبل أن نمخر عباب هذا الموضوع – أن نوضح المقصود بحق الانسحاب المراد دراسته في هذا البحث، حيث أن انقضاء عضوية الدول في المنظمات الدولية له صور عدة كالفصل أو الطرد أو الوقف[7] وانقضاء العضوية بسبب اختلال أحد شروطها كالاندماج مع دولة أخرى[8] أو زوال طابع العروبة بالنسبة لأحدى الدول الأعضاء في جامعة الدول عربية،[9] أو زوال شرط الإسلام بالنسبة لدولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي[10] أو اختلال شرط احترام حقوق الإنسان بالنسبة لإحدى الدول الأعضاء في مجلس أوربا[11] أو زوال شرط انتاج النفط بالنسبة لإحدى الدول الأعضاء في منظمتي الأوبك والأوابك[12]…الخ. إلا أن هذه الطرق لانقضاء العضوية لا تعنينا في هذه الدراسة ، ولكن ما يعنينا هو التعريف بحق الانسحاب (المبحث الأول)، خاصة وأن المنظمات الدولية لها مواقف متعدد ومتباينة من هذا الحق ، فمن الأجدر بنا أن نبحث هذه المواقف (المبحث الثاني) لتحديد أيها الذي انتهجته دول مجلس التعاون الخليجي.

المبحث الأول:

التعريف بحق الانسحاب

إن الانسحاب هو الأسلوب السلمي لفصل عرى التعاون بين طرفين. فيرد مصطلح الانسحاب في العمليات الحربية للتدليل على ترك الموقع محل الانسحاب وانقطاع الصلة بين المجموعة المنسحبة والموقع المُنسَحب منه. كما يرد الانسحاب من عضوية الجمعيات الوطنية للتدليل على فض العلاقة بين العضو المُنسَحب والهيئة أو الجمعية المُراد الانسحاب منها. كما ينطبق مصطلح الانسحاب على إبداء إحدى الدول الأعضاء رغبتها في التحلل من رابطة العضوية في منظمة دولية ما، وما يترتب عليه من فقدانٍ للحقوق وتحللٍ من الالتزامات، وفقاً للـشروط والضوابط التي يحددها دستور المنظمة الدولية المعنية.

وقد عرّف القاموس الفرنسي للمصطلحات القانونية الانسحاب بأنه عمل إداري يتم بإرادة منفردة، وميز بينه وبين نقض المواثيق إذ تنسحب الآثار القانونية للانسحاب بأثر رجعي بينما لا تنسحب الآثار القانونية لخروق النظم الأساسية إلا من تاريخ وقوعها.[13] ومن ناحيته عرفه أحد القواميس القانونية الأمريكية على أنه التراجع عن أحد المواقع أو التخلي عن أحد الأوضاع أو المراكز القانونية.[14] وفي مصطلحات القانون الدولي فإن الانسحاب محل الدراسة هو الانسحاب الإرادي لأحد أعضاء المنظمة الدولية أثناء نفاذ عضويته فيها، حيث تقرر الدولة راغبة الانسحاب وقف علاقاتها بالمنظمة الدولية، وعدم الرغبة بالاستمرار بتحمل أي التزام نتيجة لهذه العضوية،[15] كما تتنازل – نتيجة للانسحاب – عن المطالبة بحقوق العضوية.[16]

ويترتب على تقسيم الاتفاقيات الدولية إلى ثنائية وجماعية أن يكون التحلل من الالتزامات القانونية بالانسحاب هو خصيصة من خصائص المعاهـدات الجماعية دون سواها،[17] أما بالنسبة للمعاهدات الثنائية فلا مجال للانسحاب منها وإنما يمكن التحلل من التزاماتها عن طريق الإنهاء.[18]

المبحث الثاني:

مواقف المنظمات الدولية من حق الانسحاب

لكل منظمة من المنظمات الدولية طبيعتها الخاصة التي تتناسب وأنشطتها وأيديولوجيات أعضاءها، وإثر هذا التنوع نجدها تنوعت حتى في معالجتها لحق الانسحاب. فمن خلال استقرائنا لمواثيق المنظمات الدولية المختلفة يمكننا أن نلحظ أن مواقفها تتردد بين الترخيص المطلق أو المقيد لأعضائها بالانسحاب وبين الصمت عن بيان حكم الانسحاب من العضوية.[19] وعملياً يمكن تقسيم مواقف المنظمات الدولية تجاه حق الانسحاب إلى مجموعتين : الأولى مواجهة هذا الحق وتنظيمه بالتفصيل والثانية آثرت التزام جانب الصمت .

المجموعة الأولى : لا تثير مسألة إقرار حق الانسحاب فيها من عدمه أية مشاكل قانونية ، فإما أنها تصرح بجواز هذا الحق ، وإجراءاته ، وآثاره القانونية ، ووقت دخوله حيز التنفيذ ، وهو الأمر الذي يتكرر في غالبية الاتفاقيات الدولية عامة الاختصاصات والمالية ([20]) ذات الطابع الاقتصادي ([21])، وبالفعل فقد طلبت الولايات المتحدة الانسحاب من اليونسكو عام 1987 ([22]) وسايرتها في هذا الطلب المملكة المتحدة لبريطانيا وشمال ايرلندا التي طلبت هي الأخرى الانسحاب ، وتقدمت جبهة البوليساريو بطلب انسحاب من منظمة الوحـدة الأفريقية في يونيو 1983 ، وقدم المغرب أيضاً طلباً بالانسحاب منها والذي أصبح نافذاً في يوليو 1985 ([23]) كما تقدمت ألبانيا بطلب انسـحاب من منظمة المؤتمر الإسلامي وانسحبت منها بالفعل ، أو أنها تصرح بتقييد هذا الحق خلال فترة زمنية محددة قد تطول وقد تقصر ، ويتكرر هذا الوضع غالباً في الاتفاقيات ذات الطابع العسكري أو في الاتفاقيات التي تضمن حماية لحقوق الإنسان الأساسية ([24])، وفي كلتا الحالتين تكون تلك النصوص هي المرجع في تحديد أوضاع الانسحاب وإجراءاته وآثاره . وتتردد المنظمات الدولية بين الاكتفاء بإخطار المنظمة برغبة الانسحاب بحيث يحقق آثاره بمجرد وصول الإخطار الكتابي إلى المنظمة ([25]) وبين انقضاء أجل بين تقديم الإخطار وتحقق آثاره القانونية ([26]) – Period of Cooling ([27]). وتبقى السلطة التقديرية للدولة العضو لتقرير رغبتها بالانسحاب – وفقاً للنصوص – دون معقب عليها ([28]).

وفي هذا الشأن لا بد من التمييز بين التمييز بين فترة التهدئة وفترة التدعيم : فيقصد بفترة التهدئة (Period of Cooling) تلك الفترة التي يستمر العضو المتقدم بطلب الانسحاب ملتزماً بما قبله من أعباء وفق نصوص الاتفاقية ، بحيث يظل مسئولاً أمام المنظمة الدولية – خلال فترة التهدئة – على الرغم من تقديمه لطلب الانسحاب ، كما يظل متمتعاً بالحقوق التي تقف آثارها عند حدود انتهاء فترة التهدئة ، أما الحقوق التي من شأنها أن تحمل المنظمة الدولية التزامات قد تمتد إلى ما بعد انتهاء فترة التهدئة – بما يعقبها من انتهاء فعلي لعضوية الدولة المنسحبة – فلا يمكن للعضو المنسحب أن يطالب بالتمتع بها . فمثلاً لا يمكن للعضو المتقدم بطلب الانسحاب التقدم بترشيح أحد مواطنيه لتولي منصب الأمين العام لفترة ولاية ثلاث أو أربع سنوات ، في الوقت التي ستنقطع رابطة هذه الدولة – المتقدمة بطلب الانسحاب – بالمنظمة الدولية خلال سنة أو سنتين . أما بالنسبة لفترة التعزيز (Period of Renforcement) فهو مسمى قد ابتدعناه لتمييزه عن فترة التهدئة ونقصد بها تلك الفترة التي تعقب بداية رابطة العضوية بين المنظمة والعضو سواء في أعقاب إنشاء المنظمة أو الانضمام إليها ، ويحرم – بحسب الأصل – على أية دولة عضو الانسحاب خلالها ، رغبة في تعزيز هذا الرابطة القانونية الجديدة وتثبيت أقدام المنظمة الدولية للعمل باستقرار بين أقرانها الفاعلين على الساحة الدولية .

وبناءاً على هذه الحكمة فأي تقديم لطلب انسحاب يعتبر غير قانوني ولا يحقق أية آثار قانونية بالنسبة للمنظمة الدولية أو العضو المتقدم بطلب الانسحاب أو حتى بالنسبة لبقية الأعضاء . وذلك ما لم يبد بقية الأعضاء موافقتهم على هذا الانسحاب وإقراره – ليس باعتباره إجراءاً قانونياً ولكن – باعتباره تعديلاً للاتفاقية الدولية أقرته كافة الأطراف المتعاقدة ، وهو ما يميل إليه أستاذ القانون الدولي كلسن إذ يرى أن مثل هذا التعديل يمكن أن يستند إلى تبدل الظروف([29]).

ويأتي وجه اللبس بين فترة التهدئة وفترة التعزيز أن إخطارا الانسحاب لا ينتجان آثارهما القانونية في كلتا الفترتين ، فتظل الأعضاء ملتزمة تجاه المنظمة الدولية على الرغم من تقديم طلب الانسحاب . إلا أن من شأن الإخطار الذي يسبق فترة التهدئة أن يحقق بعد انتهائها الآثار القانونية للانسحاب ، أما الإخطار المقدم في فترة التعزيز فلا يعقبه أية آثار قانونية وإنما يبقى الوضع على ما هو عليه قبل تقديم الإخطار ، طالما لم تنقض فترة التعزيز ، والأصل أن يعقب انقضاء فترة التهدئة انفصام لرابطة العضوية بين الدولة والمنظمة ، وليس الأصل كذلك بالنسبة لفترة التعزيز، فالأصل ألا تنفصم رابطة العضوية في فترة التعزيز – ما لم تشأ كافة الدول الأعضاء ذلك – وإنما يمكن للدولة الراغبة أن تقدم طلباً للانسحاب في أعقاب انتهاء فترة التعزيز أو إشرافها على الانتهاء . كما أن فترات التعزيز غالباً ما تختتم بفترات تهدئة ، فتشترط الاتفاقات الدولية المرور بفترة التهدئة عند إشراف فترات التعزيز على النهاية ([30]) للتنصل من العضوية ([31]).

المجموعة الثانية : التي غفلت أو تغافلت التعرض لهذا الحق بصراحة ، وهنا فقط تثور المشاكل القانونية فيما إذا كان هذا الحق مقيداً أم مطلقاً للدول الأعضاء ، فقد أثبت الواقع العملي أن هذه المجموعة لا يمكنها أن تحظر حق الانسحاب ، فعلى الرغم من تجاهل دستور منظمة الصحة العالمية لحق الانسحاب فإن دول أوربا الشرقية قامت بإبلاغ أمانة المنظمة بانسحابها في عامي 1949-1950 ، وما لبثت الصين أن أعلنت أيضاً انسحابها في 7 مايو 1950 ، كما قامت كل من المجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا السابقة أواخر عام 1953 ، وأوائل 1953 بإعلان انسحابها من منظمة اليونسكو ، وقد أخطرت إندونيسيا ، في 20 يناير 1965، الأمين العام للأمم المتحدة رسمياً بانسحابها من الهيئة ([32]). إلا أن هذا الحق يظل مقيداً بحسب الأحوال والظروف، وهو الموقف الذي أكدته مذكرة وزارة الخارجية المصرية ، في مواجهـة تجاهل مشروع ميثاق الأمم المتحدة لحق الانسحاب ، والذي جاء فيها أن حق الانسحاب لم يعد حقاً مطلقاً كما كان في حال العصبة بل أصبح رخصة لا يجوز للعضو استعمالها إلا عند قيام ما يسوغها ، وهو ما عاد وأكده مقرر اللجنة الأولى لإعداد ميثاق الأمم المتحدة في تقريره المقدم في 23 يونيو 1945 ، مؤكداً أن عدم النص عليه يستهدف إسقاط حق الانسحاب الذي تدعيه الدول استناداً لحق المساواة في السيادة ([33]). وتعود السلطة التقديرية لإقرار حق الانسحاب لكل من المنظمة الدولية والدولة المعنية ، بخلاف الوضع في المنظمات الدولية التي تناولت حق الانسحاب ، حيث يخرج تقدير أمر إقرار الانسحاب من عدمه عن سلطتيهما التقديرية ، وإنما يبقى الحكم أولاً وأخيراً للنصوص القانونية المتفق عليها في اتفاقية تأسيس المنظمة الدولية  .

يرتكز من يدعم إقرار حق الانسحاب ، في المنظمات الدولية التي تجاهلت النص عليه ، على إصرار الرئيس الأمريكي “ويلسون” على وجـوب تضمين عهد العصبة لحق الانسحاب ، وأن دولته ترفض الانضمام لمنظمة تحرم هذا الحق ([34]). ولكننا نؤكد على أن وجهات النظر الشخصية للرؤساء  الأمريكيين تختلف ، بدليل انضمام الولايات المتحدة للأمم المتحدة على الرغم من تجاهلها للنص على حق الانسحاب . كما أن وجهة نظر إحدى الدول في حقبة من الزمن لا يمكنها أن تشكل الأساس القانوني لتعميم حق الانسحاب وإقراره على كل دول العالم وفي كل العصور . كما أن الكثير من المؤلفات تؤكد على إطلاق حق الانسحاب لكافة الدول الأعضاء في المنظمات الدولية([35]) استناداً لعدم معارضة أحد لإندونيسيا عندما قدمت طلباً للانسحاب من المنظمة الدولية ([36]) ، إلا أنه أمر غير صحيح ، حيث أن الأمين العام للأمم المتحدة – في رده على وزير خارجية إندونيسيا – رفض تكييف هذا التصرف على أنه انسحاب ، مما يسر عودتها لعضوية الأمم المتحدة في 28 سبتمبر 1966([37])، كما اعترضت كثير من الدول على هذا الطلب الغير القانوني بالانسحاب وعلى طلبات الانسحاب التي قدمتها دول أوربا الشرقية من منظمتي اليونسكو والصحة العالمية ، مما يحول دون نشوء قاعدة عرفية تخول الدولة حق الانسحاب من عضوية المنظمة في حالة عدم النص([38])، كما يستندون ، كذلك ، على تحفظ الولايات المتحدة عند انضمامها لمنظمة اليونسكو ، وإصرارها على حفظ حقها بالانسحاب عندما تشاء دون التقيد بعدم ورود هذا الحق في ثنايا النظام الأساسي لهذه المنظمة . إلا أننا نرد عل هذا الاستناد بأن موقف الولايات المتحدة – والذي قد يعود إلى سياستها الخاصة بها – لا يمكن أن يشكل سنداً قانونياً لخلق سابقة في مواجهة كافة دول العالم ، كما أن الأمر لو قبل بخصوص اليونسكو فلا يمكن تعميمه على كافة المنظمات الدولية التي تجاهلت حق الانسحاب . ولا بد من الإشارة إلى أنه تم بالفعل تعديل دستور منظمة اليونسكو عام 1954 ليسمح بالانسحاب ، بشرط إخطار المدير العام وينفذ قرار الانسحاب يوم 31 ديسمبر من السنة التالية للإخطار([39]) ، وبالتالي لو كان حق الانسحاب مقراً وثابتاً على الرغم من عدم النص عليه في دستور منظمة اليونسكو لما كانت هناك حاجة لإقراره صراحة في دستورها بموجب التعديل المذكور .

ولا يمكن للمنظمات الدولية إلا أن تنضوي تحت إحدى المجموعتين السابقتين . ولكن ما هو المعيار الذي يكفل تحديد أي المجموعتين التي تظلل المنظمة التي لم تنص على حق الانسحاب ؟

يمكننا الركون إلى معيار طبيعة الرابطة بين الدول الأعضاء :

  • منظمات دولية يربط أعضائها مجموعة من المصالح ولا يؤدي انسحاب إحداها إلى تهديد هذه المصالح وبالتالي تهديد الكيان القانوني للمنظمة الدولية ، كما يمكن لغير العضو المنسحب أن يحل محله لتحقيق هذه المصلحة . وهذا هو الحال في غالبية المنظمات الاقتصادية أو ذات المصالح المتبادلة ، ويمكن نسبة ذلك التجاهل في هذا النوع من المنظمات لأحد سببين أولهما أن يكون ذلك بسبب الغفلة أو عن غير ذي قصد ، أما ثانيهما فهو أنها قد آثرت عدم التصريح بذلك للدول الأعضاء ، درءاً لتكرار لجوئهم إلى تفعيل النصوص المتعلقة بالانسحاب عند أقل خلاف في وجهات النظر ([40])، وبالتالي تهديد المصالح المشتركة لبقية الدول وعدم وجود بديل يحقق هذه المصالح ([41])، فلا يجوز حرمان الأعضاء من حـق الانسحاب طالما تحققت المصلحة ، بدليل ترك الباب مفتوحاً أمام الانضمام الجديد لعضويتها – في غالب الأحوال – لأن من شأنه أن يحقق المزيد من المصالح . ومن هذه المنظمات التي تعرضت لحق العضوية دون التصريح بحق الدول الأعضاء بالانسحاب منظمة الأمم المتحدة والتي تطرقت في المواد 4-6 لحق العضوية ، إلا أنها لم تشر من قريب أو بعيد لحق الانسحاب .
  • منظمات دولية يربط أعضائها روابط خاصة ومن شأن انسحاب أحدها أن يهـدد الكيان القانوني للمنظمة الدولية ، ولا يمكن لغير العضو المنسحب أن يملأ فراغه بعد انسحابه من المنظمة ، فتعمدت عدم التصريح بحق الانسحاب حفاظاً على استمرارية المنظمة الدولية . وهو ما ذهب إليه أستاذنا د. طلعت الغنيمي حين أكد على أن هناك صنفاً من المعاهدات تدخله الدول الأطراف بقصد أن ترتبط ارتباطاً دائماً ومن ثم فالقرينة في غياب النص على حق الانسحاب هي ضد حق الدولة في الانسحاب ([42]) ، كما هو الشأن في منظمة الصحة العالمية . ولم تقف بعض المنظمات عند هذا الحد إذ تعمدت عدم التطرق كلية لحق العضوية سواء بالانقضاء أو حتى الانضمام لأن ذوات الدول الأعضاء تلعب دوراً في حسن استمرارية المنظمة الدولية ، وبالتالي حتى حق الانضمام يبقى مغلقاً أو مقيداً في وجه الغير ، حيث تصنف منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية  في هذه المجموعة ، إذ لم يتطرق النظام الأساسي للمجلس لحق العضوية لا من قريب ولا بعيد ، مكتفياً بتعداد الدول الأعضاء الست ، وتجاهل كلية التطرق لحق الانسحاب أو حتى لحق الانضمام للمجلس ، وبالتالي لا يعني هذا التجاهل لمعالجة حق الانسحاب – في ثنايا نصوص معاهدة الإنشاء – تحريم هذا الحق على الدول الأعضاء ، لكنه لا يعني أيضاً إطلاق هذا الحق دون قيد أو شرط ، وإنما يقيد هذا الحق في أضيق الحدود ([43]) توفيقاً لمصلحة الدولة طالبة الانسحاب ومصلحة بقية الدول المستمرة في عضوية المنظمة الدولية .

ويمكننا أن ندلل على ذلك في السوابق القانونية لهذا النوع من المنظمات الدولية ، كما قد أسلفنا بشأن منظمة الصحة العالمية التي تجاهلت حق الانسحاب ، عندما لم يحل ذلك دون قيام دول أوربا الشرقية بإخطار المدير العام للمنظمة بانسحابها ، رفض المدير العام قبول تلك الإخطارات على أساس عدم وجود نص يسمح بالانسحاب ، وهو ما أيده المجلس التنفيذي للمنظمة وجمعيتها العامة ، وعلى الرغم من توقف الدول المذكورة عن حضور الاجتماعات ، فإنها بقيت معتبرة من وجهة نظر المنظمة أعضاء ، تقوم بإرسال الدعوات والوثائق إليها ، شأنها في ذلك شأن باقي الدول الأعضاء .

كما حاول الأمين العام للأمم المتحدة في رده على خطاب وزير خارجية إندونيسيا – الذي يطلب به انسحاب بلاده من المنظمة الدولية – أن يتلافى تكييف تصرف إندونيسيا بأنه انسحاب ([44]).

بعد استعراض تعريف حق الانسحاب والمواقف المتعددة للمنظمات الدولية بهذا الخصوص ، توصلنا إلى أن مجلس التعاون أدرج تحت مظلة المنظمات التي تجاهلت النص على حق الانسحاب ، إلا أن الروابط الخاصة التي تميز العلاقة بين أعضاء المجلس تحول دون إطلاق هذا الحق دون قيد أو شرط . ولكن السؤال الذي يثور هو كيف يمكن التوفيق بين تقييد حق الانسحاب ، من ناحية ، وعدم جواز إجبار الدول الأعضاء في المجلس على المشاركة الإجبارية في أعماله ، من ناحية أخرى .

الفصل الثاني :

التوفيق بين تقييد حق الانسحاب وعدم جواز فرض المشاركة الإجبارية في أعمال مجلس التعاون لدول الخليج العربية

 

لا يمكننا – كما لا يمكن لأحد – الجزم بتحريم حق الانسحاب في المنظمات الدولية ، إذ أن المنظمات الدولية لم تكن أبداً كياناً فوق الدول ([45]). إلا أن إطلاق هذا الحق من شأنه المساس بمصالح الغير ، ويقصد بالغير هنا بقية الدول الأعضاء المستفيدة من نشاط المنظمة الدولية من ناحية ، والمنظمة الدولية ذات نفسها والمستفيدة بتمتعها بالاستمرار والاستقرار في ظل ثبات الأعضاء في أداء التزاماتهم للمنظمة الدولية من ناحية أخرى ، خاصة وأن الانضمام لعضوية المنظمة الدولية التي تجاهلت التطرق لحق الانسحاب لم يكن – في بدايته – إلزامياً ، وبالتالي فإن الدولة قبلت الالتزامات المترتبة على الانضمام لهذه العضوية ، والتي من ضمنها التقيد في الانسحاب . ويمكننا تشبيه الأمر بتنازل إحدى الدولتين للأخرى عن جزء من إقليمها بموجب اتفاقية دولية – دون التطرق لحق التراجع عن هذا التنازل ، وإبداء الدولة المتنازلة رغبتها فيما بعد في النكوص عن هـذا التنازل ، والذي لا يرتب استعادتها للإقليم المتنازل عنه .

وبأي حال من الأحوال فإن مثل هذا التقييد لا يتعارض ومبدأ سيادة الدولة ، الذي لا يعتبر كافياً لإطلاق يد الدولة التصرف كيفما تشاء في شئونها الدولية ، ولو أدى ذلك للإضرار بالغير من الكيانات الدولية – بقية الدول الأعضاء والمنظمة الدولية . كما أن الدولة بانضمامها لعضوية المنظمة الدولية تنازلت عن جزء من هذه السيادة لصـالح المنظمة الدولية ، بحيث يتفق الأعضاء على حدود هذا التنازل . ولقد أثبت الواقع المعاصر بأن سيادة الدول لم تعد حاجزاً يمكن أن يعيق المنظمات الدولية في ممارستها لاختصاصاتها ، فعلى الرغم من عدم الترحيب الصومالي لقوات إعادة الأمل التي نظمتها الأمم المتحدة عام 1993 فقد تعدت هذه القوات على السيادة الصومالية للحد من الوفيات التي تسببت بها المجاعة بالصومال ، كما حظرت قوات التحالف الطيران العراقي من التحليق في مناطق شمال وجنوب العراق صوناً لحياة المدنيين من غير الموالين لنظام الحكم في العراق ، كما دخلت قوات حلف شمال الأطلسي إلى الأراضي اليوغسلافية لضمان وقف الإبادة الجماعية ضد المسلمين والعمل على إلقاء القبض على مجرمي الحرب تمهيداً لمحاكمتهم دولياً .

إلا أن التساؤل يثور حول السبب الذي دفعنا إلى إدراج مجلس التعاون ضمن المنظمات التي تربط أعضائها مصالح خاصة ، ولا يمكن تعويضها إلا بذات الأعضاء الستة ، وبالتالي عدم إطلاق حق الانسحاب للدول الأعضاء؟ (المبحث الأول) ومن ناحية أخرى هل يمكن لكائن من كان أن يفرض على إحدى الدول الأعضاء المشاركة بفاعلية في أنشطة المنظمة الدولية ورفع أدائها ؟ (المبحث الثاني) وأخيراً كيف يمكن التوفيق بين هاتين المصلحتين المتعارضتين بحيث تستمر المنظمة الدولية في ممارستها لأنشطتها ، دون المساس بحرية الدولة في الإعراض عن المشاركة في أنشطة المنظمة الدولية ؟ (المبحث الثالث) .

المبحث الأول

أسباب تقييد حق الانسحاب في مجلس التعاون الخليجي

تنقسم أسباب تقييد حق الانسحاب في مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى أسباب سياسية (أولاً) ، وقانونية (ثانياً).

أولاً : الأسباب السياسية وراء تقييد حق الانسحاب من المجلس:

إن مجلس التعاون لدول الخليج العربية نشأ في ظل ظروف إقليمية وعالمية قاسية جداً ، وهو الأمر الذي أثار الكثير من تباين وجهات النظر حول السبب الحقيقي وراء نشأة هذه المنظومة . فانطلاقاً من القلق الخليجي من الاحتلال الروسي لأفغانستان عام 1979 ([46])، والذي كان يعتبرها موطأ قدمه في سبيل التوجه نحو الخليج الواقع تحت السيـطرة الأمريكية شبه الكاملة – من وجهة النظر الروسية ، وانتهاء بقلق النظم الوراثية في الخليج من الثورة الإسلامية المندلعة في إيران عام 1979 ([47])، إثر سقوط الشاه ، والتهديد بتصديرها ([48]).

فهذه الأسباب يغلب عليها الطابع السياسي ، وطالما كان طابع النشأة سياسياً ، فلا يمكن أن يخلو تقييد حق الإنهاء بالانسحاب من بعض العوامل السياسية أيضاً ، والتي أهمها :

1- الخصوصية التي تربط أعضائه :

تتميز الدول أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية بخصوصية تجمعها برباط وثيق ، فهي الدول الوحيدة في المنطقة التي تتمتع بنظم حكم وراثية ، وذات نظم اقتصادية متقاربة ، وتقارب العادات والتقاليد والثقافات بين الشعوب . فهذه الخصوصية تدفع دول المجلس إلى المزيد من التلاحم والتقارب في إطار منظومتهم . كما أنها – بمفهوم معاكس – تحول دون تحقيق التلاحم مع الغير من دول المنطقة ، فالتباين في الجوانب السابقة من شأنه أن يمنع أي ترابط مؤسسي بين هذه الدول من ناحية والعراق أو إيران أو اليمن أو المملكة الأردنية الهاشمية من ناحية أخرى ، إلا إذا كان يرتكز على المصالح وليس على ذوات الدول الأعضاء ، ومن شأن أي تقارب من هذا النوع أن يبوء بالفشل ويجهض قبل أن يرى النور ، أو ينتهي بانتهاء المصلحة المبتغاة من تحقيقه .

إلا أن هذه الخصوصية لا تشكل سنداً لتقييد حق الدول الأعضاء بالانسحـاب من مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، إلا أن السند الحقيقي يتمثل في إرادة الدول الأعضاء والتي تشكل السبب وراء تقييد حق الانسحاب ، تلك الإرادة التي يمكننا أن نستخلصها من الأسانيد القانونية اللاحقة .

2- السعي حثيثاً نحو الوحدة :

تسعى الدول أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية حثيثاً نحو الوحدة ، وهو الأمر الذي أكدته ديباجة النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية حيث نصت على أنه “إدراكا منها – أي الدول الأعضاء – لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة أساسها العقيدة الإسلامية . وإيمانا بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها ، ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين ، واقتناعاً بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية”، وكذلك جاء هذا التأكيد في نص المادة الرابعة من النظام والتي تضمنت التأكيد على أن من ضمن الأهداف التي يصبو المجلس إلى تحقيقها “تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلـى وحدتها“. وتمشياً مع تحقيق هذه الغاية ، أو بحد أدنى عدم وضع العراقيل في سبيل تحقيقها ، فإن حق الانسحاب يجب أن يترك على إطلاقه دون قيد أو شرط ، خاصة وأن الدول الأعضاء تعمدت عدم التصريح به ، بغية الالتزام بالعمل المستمر في إطار منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية .

3- إطلالة دول المجلس على الساحل الغربي للخليج العربي :

إن إطلالة الدول الخليجية الست أعضاء المجلس على الساحل الغربي للخليج العربي ، وتمتعها بالموقع الجغرافي المتكامل ، من شأنه أن يدعم تقييد حق الانسحاب في هذه المنظومة . فقد اتفقت دول المجلس على العمل في سبيل التكامل ، ولكن هذا التكامل من شأنه أن يخترق بانسحاب أي عضو من أعضاء المجلس ، حيث أن دول المجلس كالبنيان المرصوص  الذي يؤازر بعضه بعضاً . فمثلاً لا يمكن لاتفاقية متعلقة بحماية البيئة البحرية على الساحل الغربي للخليج العربي أن تكون ذات قيمة فعلية في غياب أي من الدول الست . وفي هذا الإطار ظهرت منظمة البيئة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ، كما أن التعاون العسكري الدفاعي بين دول المجلس لا يمكن أن يكون فاعلاً في ظل غياب أي من الدول الأعضاء ، ومن شأن انسحاب أحدها أن يخلق فجوة أمنية تهدد استقرار بقية الأعضاء .

ثانياً : الأسباب القانونية وراء تقييد حق الانسحاب :

كما توجد أسباب سياسية وعسكرية وراء تقييد حق الانسحاب من منظومة مجلس التعاون ، هناك أيضاً أسباب قانونية كافية للحيلولة دون إطلاق حق الانسحاب للدول الأعضاء ، وتتمثل هذه الأسباب فيما يلي :

  • غلق باب الانضمام لمجلس التعاون :

يعتبر مجلس التعاون لدول الخليج العربية من المنظمات المغلقة ([49])، وقد أغلق مجلس التعاون باب العضوية في وجه غير الدول الأعضاء المؤسسة عن غير غفلة ، وإنما كان إجراءاً متعمداً ، فذوات الدول الأعضاء يعد أمراً جوهرياً في استمرار المجلس ، وعليه -فبالنسبة للدول الأعضاء – فإن دخول غيرها في عضوية المجلس من شأنه أن يعيق مسيرته ، ويحول دون تحقيقه لأهدافه ، لذا آثرت هذه الدول التوقيع على اتفاقية التأسيس مع الإقرار بحجب العضوية في هذا المجلس عن الغير . وعليه فقد أقرت الدول بالطبيعة الخاصة لنظام العضوية في مجلس التعاون ، ومن شأن هذا النظام الذي يقيد الغير عند الانضمام – بوجوب تعديل النظام الأساسي – أن يقيد الأعضاء في محاولة التنصل – بالإرادة المنفردة – من الالتزامات التي يتضمنها النظام الأساسي ، بما فيها الاستمرارية حتى يجمع الأعضاء على تحلل أحدهم من التزاماته .

  • غياب النصوص المتعلقة بالإنهاء القسري للعضوية :

يتضح لنا بشكل جلي أن مشرعي النظام الأساسي لمجلس التعاون تعمدوا تجاهل حق الدول بالانسحاب من عضوية المجلس ، كما أنه منظومة على خلاف الكثير من المنظمات الدولية ، رفضت حتى فكرة الإنهاء القسري لعضوية إحدى دول المجلس ، أي حتى لو وجد ما يبرر هذا الإنهاء ، ويعود ذلك إلى أن دول المجلس لا تؤمن بفرض تعاون الأعضاء عن طريق التهديد بالإجراءات القسرية كوقف العضوية والفصل منها ، فهي دول ذات سيادة وبالتالي فإن هذا الأسلوب في الحض على العمل – إلى جانب تعارضه مع سيادتها – لا يمكن أن يثمر معها . كما أنها على قناعة بأن الإنهاء الإرادي أو القسري من شأنه أن يزعزع أركان المجلس . لذا آثرت الدول الأعضاء عدم التطرق لأي صورة من صور الإنهاء الإرادي أو القسري ، الدائم أو المؤقت ، وهي من الأمور التي نصادفها كثيراً  في أحكام ومواثيق المنظمات الإقليمية والعالمية ([50]) واقتصر النظام الأساسي على تحديد أعضاء المجلس بالاسم دون فتح العضوية للغير ، مما يؤكد أن عضوية المجلس مغلقة على الدول الست .

ولكننا نرى أن عوارض العضوية لا ترتبط بمسألة الانسحاب ، وإنما تسقط العضوية تلقائياً بفقد الدولة العضو لأحد الشروط اللازمة للعضوية ، فلا يمكن أن تستمر دولة في عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد فقدها لصفة الدولة بالاتحاد مثلاً ، لأن المنظمات الدولية لا تنشأ إلا بين الدول كاملة السيادة . ولو تحققت الوحدة المبتغاة بين دول المجلس فهنا ينقضي مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، ويظهر كيان دولي جديد هو دولة اتحادية – فيدرالية أو كونفدرالية بحسب الأحوال .

  • تعارض حق الانسحاب مع الغايات التي يصبو المجلس لتحقيقها :

يسعى المجلس كما ورد أعلاه إلى تحقيق الوحدة بين أعضائه ، ولقد أقرت كافة الدول الأعضاء هذه الغاية وجعلتها نصب أعينها في ممارستها لأنشطتها ، وأقرت النصوص المتماشية مع هذه الغاية ، خاصة المتعلقة بالعضوية المحدودة ، كما أنها أقرت من ناحية أخرى تجاهل النص على كل ما من شأنه أن يشكل عائقاً في طريق هذه الوحدة ، كالنص على حق الانسحاب ، ونظام العقوبات ضد الدول الأعضاء . وبالتالي فإن أي تصرف لا يتماشى وغايات إنشاء المنظمة يعتبر انتهاكاً لنظامها الأساسي ، مما يستحق معه العضو المنتهك – ما لم يرتدع – إجراءات عقابية من المنظمة والدول الأعضاء . وبالتالي فمن شأن إقدام إحدى الدول الأعضاء في المجلس على الانسحاب يمثل انتهاكاً للنظام الأساسي – الذي وقعت الدولة وانضمت إليه برضاها – من خلال مخالفة أهداف نشأة المنظمة .

  • رفض حق الانسحاب يتماشى مع منهج النظام الأساسي باتباع ميثاقي الأمم المتحدة والجامعة العربية :

تماشياً مع تجاهل ميثاق الأمم المتحدة ([51]) لحق الانسحاب تشجعت الدول أعضاء مجلس التعاون على تجاهل النص عليه أيضاً . ولقد تقيدت دول المجلس في أكثر من موضع بنصوص هذا الميثاق ، ويتضح ذلك جلياً من خلال الاطلاع على البيانات الختامية لقادة دول المجلس والتي نصت في أكثر من مناسبة على تمسكهم بميثاق الأمم المتحدة ([52]) وما جرى عليه العمل من عدم إقرارها لحق الانسحاب كما حدث بسابقة إندونيسيا .

كما أن نص المادة 9 من ميثاق الجامعة العربية قد أكد على إنشاء منظمات إقليمية لتحقيق روابط أوثق بين الدول الأعضاء ، ومن شأن تجاهل حق الانسحاب – في أحيان كثيرة – أن يدعم العلاقات بين الدول الأعضاء ، وبالعكس ففتح باب الانسحاب على مصراعيه من شأنه أن يساهم في تشتيت الدول أعضاء الجامعة ، لقد أكدت البيانات الختامية لقادة المجلس على احترامها لميثاق الجامعة العربية([53]). لذا يعتبر تجاهل حق الانسحاب مساندة ودعم لميثاقي الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية .

  • فتح باب الانسحاب تعديل على نص المادة الخامسة من النظام الأساسي يتطلب إجماع الدول الأعضاء :

لقد ورد في نص المادة الخامسة من النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بأن الدول الأعضاء في المجلس هي الدول الست التي شاركت في الاجتماع الأول ، ويعتبر انسحاب أي عضو من الأعضاء بمثابة تغيير وتعديل على نصوص النظام ، لا يمكن أن يتم إلا بالإجراءات المقرة والمحددة بالمادة 20 من النظام الأساسي ([54]) ، والتي تتطلب إجماع الدول الأعضاء على هذا التعديل ، وبالتالي لا يمكن إضافة دولة جديدة بالانضمام ، أو شطب دولة عضو بالانسحاب ما لم يتوافر الإجماع في كلتا الحالتين ، وقد سبق أن اتفقنا على إمكانية الانسحاب في أية منظمة متى ما أقرت كل الدول الأعضاء هذا الانسحاب .

وبشأن التعديل نكون أمام فرضيتين : إما أن يتم تعديل نص المادة الخامسة بإجماع الدول الأعضاء ، بما فيها الدولة طالبة الانسحاب ، بحيث يصبح نصها كالتالي “يتكون مجلس التعاون من الدول التاليةبعد إقصاء اسم الدولة (س) طالبة الانسحاب ، فإذا تم ذلك لا يمكن للدولة (س) أن تقدم طلباً بالانسحاب لأنها لم تعد عضواً في مجلس التعاون الخليجي وفقاً للصيغة الجديدة للمادة الخامسة ، وهنا يمكننا تكييف هذا التصرف على أنه انسحاب بموافقة الدولة المعنية عن طريق إقرارها للتعديل الجديد الذي يقصيها عن عضوية المجلس . والفرضية الثانية أن تتقدم الدولة (س) بطلب انسحاب وتتم الموافقة على ذلك ، يترتب عليه وجوب إجراء تعديل لاحق لنص المادة الخامسة ، بإجماع الدول الأعضاء الخمس ، بعد انسحاب الدولة (س) ، لتصبح بالصيغة المفترضة السابقة الذكر .

  • إقرار حق الانسحاب لا يتماشى ونصوص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات :

ورد في نص المادة 18 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات على أن “تلتزم الدولة بالامتناع عن الأعمال التي تعطل موضوع المعاهدة أو غرضها وذلك : أ- إذا كانت قد وقعت المعاهدة أو تبادلت الوثائق المنشئة لها بشرط التصديق ، أو القبول ، أو الموافقة ، إلى أن تظهر بوضوح نيتها في أن لا تصبح طرفاً في المعاهدة . ب-أو إذا كانت قد عبرت عن رضاها الالتزام بالمعاهدة حتى دخولها حيز التنفيذ على أن لا يتأخر هذا التنفيذ بغير مبرر” .

كما نصت المادة 45 من نفس المعاهدة على أنه “ليس للدولة ، بعد وقوفها على الوقائع ، أن تتمسك بسبب من أسباب إبطال المعاهدة أو انقضائها أو الانسحاب منها أو إيقاف العمل بها طبقاً للمواد 46 إلى 50 أو المادتين 60 و 62 في إحدى الحالتين الآتيتين :- أ-إذا وافقت صراحة على أن المعاهدة صحيحة أو أنها ما تزال نافذة أو أن العمل بها مستمر ، بحسب الحال . ب-أو إذا اعتبرت بسبب سلوكها أنها قبلت بصحة المعاهدة أو ببقائها نافذة أو باستمرار العمل بها بحسب الحال”.

  • استمرارية صدور القرارات التي تتطلب الإجماع :

حرصاً على حسن سير أعمال المنظمة بالنسبة للمسائل التي تتطلب الإجماع يفضل عدم تقييد حق الدولة بالانسحاب من المنظمة الدولية ، ومن شأن ترك الخيار للدول لتقرير مشاركتها في المنظمات الدولية أن يجعلها مشاركة فعالة ، وبالعكس ، فإن غلق هذا الخيار من شأنه أن يعيق أعمال المنظمة الدولية ويحول دون صدور أي قرار يتطلب الإجماع ، من خلال الاعتراض المستمر على القرارات التي تتطلب الإجماع ، وهي عادة ما تكون قرارات حساسة وذات طبيعة مستعجلة . مما قد يؤدي إلى عدم فاعلية المنظمة الدولية .

 

المبحث الثاني

المشاركة في أعمال المنظمات الدولية

حرية للدول الأعضاء

 

على الرغم من إقرارنا بعدم إطلاق يد الدول الأعضاء في الانسحاب من المنظمات الدولية التي تجاهلت النص على هذا الحق ، صوناً لكيان ووجود الشخصية القانونية للمنظمات الدوليـة ، ومراعاة لمصالح عموم الدول الأعضاء ، ولو على حساب الدولة الراغبة في الانسحاب ، إلا أننا لا يمكن أن نفرض على الدول رغماً عنها المشاركة في أعمال المنظمة الدولية والاستفادة قسراً من الحقـوق والمزايا الممنوحة فيها ، أو إجبارها على تنفيذ كافة الالتزامات المتولدة عن هذه العضوية .

فلقد تحددت حكمتنا في عدم إطلاق يد الدول الأعضاء باللجوء إلى الانسحاب ، وفي حدود هذه الحكمة يجب أن يكون التقييد ، وبالتالي فإنه يظل تقييداً غير مطلق . فقد أوضحنا أعلاه أن هذا النوع من المنظمات الدولية لم يحرم حق الدول بالانسحـاب ، ولكنها قيدته – من وجهة نظرنا الخاصة ، ولكن ما هي القيود الواردة على هذا التقييد ، ومتى يمكن أن ترفع هذه القيود المكبلة للدولة راغبة الانسحاب ؟

1-ما حدود تقييد مشاركة الدول راغبة الانسحاب ؟

 

إن اتفاقية إنشاء المنظمات الدولية تخضع لكافة القواعد القانونية التي تحكم الاتفاقيات الدولية – خاصة الجماعية منها . وبالتالي لرسم حدود المشاركة للدولة راغبة الانسحاب ، لا بد من التمييز بين الحقوق والواجبات الواردة في هذه الاتفاقية .

  • الحقوق الممنوحة للدولة طالبة الانسحاب :

من حق كافة الدول الأعضاء التمتع بالمزايا والحقوق التي تمنحها إياهم هـذه الاتفاقات الدولية ، الجماعية والثنائية . ولكن هذا التمتع بهذه الحقوق أمر يعود للإرادة المحضة للدول الأعضاء ، ولا يمكن لكائن من كان أن يفرض على هذه الدول وجوب التمتع بهذه الامتيازات والحقوق . ولا يتغير الوضع بالنسبة للدولة طالبة الانسحاب حتى ينفذ الانسحاب وينتج آثاره القانونية  ، أما قبل ذلك ، وفي فترة التهدئة فلا يمكن حرمان الدولة طالبة الانسحاب من هذا المركز القانوني .

إلا أن هناك بعض الحقوق والالتزامات التي لا تتناسب ووضع الدولة طالبة الانسحاب ، والتي ستنقطع علاقتها بالمنظمة الدولية بمجرد انتهاء فترة التهدئة . فلا يقبل ترشيحها لمواطنيها لتولي منصب الأمين العام أو تولي وظائف جديدة في المنظمة الدولية ، ولا يمكنها تحميل المنظمة الدولية بالتزامات طويلة الأمد يمكن أن تمتد آثارها إلى فترة ما بعد الانسحاب .

2-متى تزول القيود الواردة على حق الدول بالانسحاب؟

تزول القيود على الدولة طالبة الانسحاب ، بمجرد إصرارها على هذا الانسحاب ورغبتها بتحقيق آثاره ، كما تزول هذه القيود متى ما أقرت الدول الأعضاء انسحاب هذه الدولة ، بالإضافة إلى حالة ثبوت أن استمرارية العضوية من شأنه أن يلحق أضراراً بالمنظمة الدولية أكثر وأفدح من تلك الأضرار المترتبة على انسحابها .

إصرارها على هذا الانسحاب ورغبتها بتحقيق آثاره :

لا يمكن للمنظمة الدولية أن تجبر الدولة على استمرار قيدها ضمن الدول الأعضاء ، وذلك ما لم تحرم المنظمة على الدول الأعضاء الانسحاب خلال فترات الحظر كما أسلفنا . لكن بالنسبة للمنظمات الدولية التي نصت على جـواز الانسحاب وتلك التي تجاهلت النص عليه ، فلا يمكنها الحيلولة دون إصرار الدولة بتفعيل آثار الانسحاب ، ولإقراره رسمياً وعدم ترك الأمر معلقاً ، بحيث تصر الدولة على صدور تصرف دولي من الجهات المعنية بالمنظمة الدولية يفيد صراحة وبشكل لا يقبل اللبس بأنها لم تعد تتمتع بعضوية المنظمة الدولية .

وعملياً فإن الدول تتخذ الإجراءات الأولية التي تفيد رغبتها بالانسحاب من المنظمة الدولية ، إلا أنها لا تتابع المسألة بصورة ملحة ، وتكتفي بما اتخذته من إجراءات من جانبها – جانب واحد – دون الإصرار على صدور إجراء مقابل من المنظمة الدولية يفيد انقضاء الرابطة بين المنظمة والدولة راغبة الانسحاب . وهو الموقف الذي وقفته دول أوربا الشرقية التي اكتفت بإبلاغ أمانة المنظمة بانسحابها في عامي 1949-1950 ، واكتفت الصين بإعلان انسحابها أيضاً عام 1950 ، كما أعلنت كل من المجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا السابقة أواخر عام 1953 ، وأوائل 1953 انسحابها من منظمة اليونسكو ، بينما لم تتجاوز إندونيسيا حدود إخطار الأمين العام للأمم المتحدة بانسحابها عام 1965([55]).

إقرار الدول الأعضاء بانسحاب الدولة المعنية :

ورد التأكيد في الصفحات السابقة بأن إرادة الدول الأعضاء هي الحكم الأول والأخير في إدارة شؤون المنظمة الدولية ، ولقد قيدت حرية الدول بالانسحاب من المنظمات الدولية التي لم تصرح بهذا الحق بسبب مراعاتنا لمصلحة المنظمة الدولية والدول الأعضاء . ويمكن للدول الأعضاء أن تتخلى جميعها عن هذه المصلحة وتجمع على إقرار انسحاب الدولة مقدمة الطلب ، فيصبح الانسحاب نافذاً ، أما مصلحة المنظمة الدولية فيمكن التخلي عنها بتعديل دستور نشأتها صراحة ، أو ضمناً بالاكتفاء بالسماح للدولة مقدمة الطلب بالمغادرة . وبالتالي فإن تأثير انسحاب إحدى الدول على مصلحة المنظمة الدولية والدول الأعضاء أمر يمكن لأعضاء المنظمة الدولية تقريره والتضحية به دون رقيب عليها بهذا الخصوص .

ثبوت فداحة الضرر اللاحق من استمرار العضوية مقارنة به عند الانسحاب :

تنحصر الغاية من تشكيل المنظمات الدولية في تحقيق المزيد من التقارب والتعاون بين الدول الأعضاء ، بهدف تحقيق مصالحها المشتركة . ولكن ، ماذا لو كان تجمع الدول في إطار منظومة معينة من شأنه أن يتسبب في اندلاع الحروب والنزاعات الأمر الذي من شأنه في نهاية الأمر أن يولد المزيد من الفرقة والتناحر !

في مثل هذه الأحوال حتى لو لم يرد النص على حق الانسحاب ، فلا بد من العمل من أجل فتح الباب على مصراعيه للـدول الأعضاء للانسحاب من المنظومة . ولكن ، لا تكاد تخلو منظمة من المنظمات من المنازعات بين أعضائها ، فما حدود الضرر الذي يمكن عنده فتح باب الانسحاب ؟

إن الضرر الذي يمكن أن يكون سنداً في فتح باب الانسحاب من المنظمة الدولية هو ذاك الضرر الذي يفوق حجم الفائدة التي يمكن أن تجنى من غلق باب الانسحاب على الدول الأعضاء . فلو كان حديثنا ، مثلاً ، عن منظومة عسكرية ، تهدف إلى خلق نظام دفاعي متكامل بين الدول الأعضاء في مواجهة قوة إقليمية منافسة ، ففي هذه الحال يعتبر استمرار أحد الأعضاء طالبي الانسحاب ، والمتعاون عسكرياً مع القوة المنافسة ، من شأنه أن يسبب ضرراً يتمثل في تهديد الأمن الإقليمي لكافة الدول الأعضاء وإفشاء أسرارهم الدفاعية للقوة المنافسة ، وهو ضرر يفوق في حجمه وخطورته حجم الضرر المترتب على انسحاب هذه الدولة ، والمتمثل في نقص الكفاءة الدفاعية من حيث العدد والعدة .

ولكن لمن تعود السلطة التقديرية في تحديد تفوق أحد الضررين على الآخر ؟

تعود السلطة في تقدير جسامة الضرر اللاحق نتيجة استمرار العضوية مقارنة به عند انسحاب أحد الأعضاء للسلطة القضائية في المنظمات الدولية ، والتي تعتبر سلطة نزيهة ومحايدة . أما في المنظمات التي لا يتوافر لديها جهازاً قضائياً فتعود السلطة التقديرية للجهاز العام ، الذي يدخل في عضويته كافة الدول الأعضاء ، بحيث يصوت على ذلك وفقاً للإجراءات المحددة في دستور المنظمة .

المبحث الثالث

الأثر القانوني المترتب على التوفيق بين

مصلحة الدول العضو والمنظمة الدولية

يترتب على محاولة التوفيق بين مصلحة الدولة العضو ، من ناحية ، ومصالح كل من المنظمة الدولية وعموم الدول الأعضاء ، من ناحية أخرى ، فتح الباب للدول الأعضاء بالتغيب وعدم المشاركة في أعمال المنظمة الدولية ، وهو حق لكافة الدول الأعضاء أن تتغيب عن حضور جلسة أو اثنتين أو أكثر من ذلك دون تحديد ، طالما لم يبت نهائياً بشأن انسحابها من المنظمة الدولية .

فقد تغيبت العديد من الدول التي أبدت استياؤها من بعض الشؤون في المنظمة الدولية ، ونتيجة لذلك صرحت أو أعلنت رغبتها بالانسحاب ، دون متابعة جدية حثيثة لتفعيل أثر الانسحاب ، واكتفت بالتغيب عن الجلسات اللاحقة للمنظمة الدولية ، كما كان موقف إندونيسيا من منظمة الأمم المتحدة ، وموقف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من منظمة اليونسكو ودول أوروبا الشرقية من منظمة الصحة العالمية ، ودولة قطر من مجلس التعاون لدول الخليج العربية عندما انسحبت من اجتماع المجلس الأعلى المنعـقد في مسقط في الفترة ما بين 4-6/12/1995 ، حيث انسحب الوفد القطري – برئاسة سمو الشيخ / حمد بن خليفة آل ثاني – من هذا الاجتماع كتعبير عن اعتراضه على ترشيح الشيخ/ جميل الحجيلان كأمين عام للمجلس . وقاطعت دولة قطر بعدها عدد من الاجتماعات الوزارية .

إلا أن هذا التغيب لا يعفي الدول المتغيبة من الالتزامات التي يرتبها عليها النظام الأساسي للمنظمة الدولية ، ولكنه يحفظ لها ماء الوجه ، كما يسمح لها ولبقية الدول الأعضاء بالتفكير ملياً بشأن موازنة مصلحة الجميع في الاستمرار في هذا الترابط ، أو العمل على تعديل معاهدة التأسيس لإقصاء هذا العضو المتغيب .

فلا يمكن للمنظمة الدولية أن تجبر الدول راغبة الانسحاب بشكل غير قانوني على المشاركة في أعمالها ، إذ ليس لديها صلاحية من هذا القبيل ، لا تجاه الدولة المنسحبة ولا لبقية الدول الأعضاء . ولكن تظل الدولة ملتزمة مادياً أمام المنظمة الدولية ، طالماً لم يرتب انسحابها آثاره القانونية ، ولكنه يظل التزام غير قابل للتنفيذ الفوري ، وإنما هو معلق على رغبة هذه الدولة في إعادة تفعيل عضويتها في المنظمة .

فإذا حسمت عضوية الدولة نهائياً بالانسحاب ، تنقضي الرابطة القانونية بين المنظمة الدولية والدولة ، إلا أن المنظمة لها الحق قانوناً بالمطالبة بتحميل الدولة فاقدة العضوية بكافة الالتزامات حتى يوم نفاذ هذا القرار ، وليس من يوم تغيبها ، ولكن المنظمات الدولية في مثل هذه الأحوال لا تعبأ بتحصيل حقوقها لدى الخارجين على النظام الأساسي لهذه المنظمة ، والتفكير ملياً بإعادة ترتيب أوراقها من أجل توزيع هذه الالتزامات على بقية الدول الأعضاء ، ولكن هذه الحقوق والالتزامات يمكن أن تحصل في حال قررت الدولة المتغيبة استئناف عضويتها ، فهنا تكون المنظمة الدولية في مركز القوة ، ويمكنها أن تضع شروطها بشأن إعادة تحصيل ديونها على الدولة مستأنفة العضوية .

وعلى هذا الأساس فقد كيف غياب إندونيسيا على أنه بسبب كفها عن التعاون ، ولم يحصل اعتراض على ذلك وسويت التزامات إندونيسيا المتأخرة على هذا المفهوم([56]). وهذا ما تم بشأن دول أوروبا الاشتراكيـة التي أبدت رغبتها ، في سنة 1950 ، في العودة إلى عضوية منظمة الصحة العالمي ، حيث كانت المشكلة الكبرى هي الوفاء بالمتأخر من اشتراكاتها في ميزانية المنظمة . وقد تمت تسوية تلك المشكلة عندما وافقت الجمعية العامة للمنظمة بالاكتفاء بأن تقوم الدول المشار إليها بالوفاء بما يعادل 5% من حصتها عن السنوات التي لم تمـارس فيها عضوية نشطة ([57]).

على الرغم من تأييدنا لفتح حق الانسحاب في كافة المنظمات الدولية ، إلا أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية من المنظمات التي لم تتطرق لحق الانسحاب لا بالتصريح ولا بالتعريض ، ولم يسجل الواقع العملي الذي استمر قرابة 18 عاماً أي إقرار بهذا الحق .

إن إقرار حق الانسحاب من عدمه هي مسألة تتصارع فيها مصلحتان ، أولاهما مصلحة الكيان القانوني الجديد بعدم تعرضه للتآكل والذوبان نتيجة تكرر انسحاب الدول الأعضاء وثانيهما عدم فرض العمل الجماعي على دول لا ترغب فيه وبالتالي من شأن مثل هذا الإجبار أن يولد آثاراً عكسية . فمجلس التعاون لدول الخليج العربية لا يمكن تصوره بغير دولة الإمارات العربية المتحدة أو البحرين أو قطر أو عمان أو المملكة العربية السعودية أو الكويت ، كما لا يمكن استبدال أحد الأعضاء بغيرها فلا يتصور استبدال الجمهورية اليمنية الديمقراطية بدولة قطر أو المملكة الأردنية الهاشمية بدولة البحرين أو الجمهورية العراقية بدولة الكويت . كما لا يمكننا – من ناحية أخرى – فرض المشاركة الإجبارية على الدول الأعضاء في أعمال المنظمة ، خاصة وأن المشاركة تحتاج إلى إخلاص وتفاني في العمل ، وإلا تعرضت المنظمة الدولية لانتكاسة بسبب التضارب في المجهودات . ولكن ما هو الأسلوب الأمثل للتوفيق بين هاتين المصلحتين ؟

تحقيقاً لهاتين المصلحتين فلا بد من فتح المجال للدول الأعضاء بالإعراض عن المشاركة الجماعية بحيث يترك لها باب استعادة العضوية موارباً . وبالتالي يحق لأي دولة – لسبب أو لآخر – التغيب عن أعمال المنظمة كوسيلة للتعبير عن عدم الرضا تجاه مسيرة العمل المتبعة من قبل المنظمة ، وقد كًيِف هذا الغياب على أنه أمر واقع لا تحتـاج الدولة المتغيبة في أعقابه تقديـم طلبٍ جديد للانضمام .

الخاتمة

تعددت مواقف المنظمات الدولية بشأن حق الدول الأعضاء بالانسحاب وتباينت بين تنظيم هذا الحق ، من خلال حظره فترة معينة من الزمن ، أو السماح به وتحديد إجراءات الإفادة من هذا الحق وشروطه .

وقد توصلنا عبر هذه الدراسة إلى تقسيم المنظمات التي تجاهلت هذا الحق إلى نوعين من المنظمات : الأولى هي تلك المنظمات التي لا ترتبط أعضاؤها بروابط خاصة ، ويمكن لأية دولة من غير الأعضاء أن تحل محلها في تحقيق ذات المصلحة ، بحيث لا تتأثر المصالح التي تربط الأعضاء نتيجة لهذا الانسحاب . أما الثانية فهي التي ترتبط أعضاؤها بروابط خاصة ، ولا يمكن لغير هؤلاء الأعضاء أن يحل محلهم ، كما أن من شأن انسحاب أحدهم أن يهدد كيان المنظمة الدولية ومصالح بقية الدول الأعضاء . لذا كانت الغاية من تجاهل النص على حق الانسحاب في المجموعة الأولى تتمثل في عدم الرغبة بالتصريح للدول الأعضاء بشرعية هذا الخيار . أما غايته في المجموعة الثانية فتتمثل في الخوف على وجود هذا الكيان القانوني واستمراريته والمحافظة على المصالح التي تربط الدول الأعضاء .

وقد طبق هذا التوجه على الوضع في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، والذي تجاهل نظامه الأساسي ونظمه الداخلية النص على حق الانسحاب ، بهدف حرمان أعضائه من هذا الخيار ، وقد ارتكزنا على بعض الأسانيد السياسية والجغرافية والعسكرية التي تؤكد هذه الخصوصية ، بالإضافة إلى إثارة عدد من النصوص القانونية التي من شأنها أن تقيد حق أعضاء المجلس في الانسحاب .

وعلى الرغم من إقرارنا – في هذه الدراسة – بوجوب تقييد حق الانسحاب في المنظمات الدولية التي لم تعالج هذه المسألة ، إلا أن إرادة الدول الأعضاء تفوق كل القيود والشروط ، فحتى المنظمات التي قمنا بتصنيفها على أنها تقيد حق الانسحاب بالنسبة للدول الأعضاء ، سواء من خلال النص على تحريم الانسحاب أو من خلال الطبيعة الخاصة للعلاقة بين الدول الأعضاء ، فإنها لا تشكل انتهاكاً لسيادة الأعضاء ، لأنهم هم الذين تنازلوا بإرادتهم البحتة عن هذا الحق للمنظمة الدولية ، وعلى الرغم من هذا التنازل ،  فيمكن للدول الأعضاء في كافة المنظمات الدولية – حتى تلك التي حظرت هذا الحق – الانسحاب متى ما أقرتها بقية الدول الأعضاء على ذلك .

وبأي حال من الأحوال ، لا يمكن لكائن من كان ، أن يجبر الدولة على المشاركة في أعمال المنظمة الدولية لمجرد عدم معالجة دستورها لحق الانسحاب . فلها أن تتغيب وتحتجب عن المشاركة في أعمال المنظمة الدولية ، كما لها أن تصر على تفعيل طلبها بالانسحاب وقطع رابطتها مع المنظمة الدولية بشكل نهائي .

إلا أن مكمن اللبس والغموض في الواقع العملي للانسحاب في المنظمات الدولية ، يدور حول عدم إصرار الدول راغبة الانسحاب – بعد إبداء رغبتها بذلك – على وضعه موضع التنفيذ ، وإنما تكتفي في الغالب بإعلان رغبتها بالانسحاب والتغيب مباشرة بعد هذا الإعلان .

أما بالنسبة للرابطة بين المنظمة الدولية والدولة راغبة الانسحاب ، فهي تنحصر في الحقوق والالتزامات بين هذين الطرفين ، فبالنسبة لالتزامات الدولة فإنها تظل تتحملها حتى لحظة الفصل النهائي بالعضوية ، إلا أن مسألة تسويتها تظل معلقة وما من سلطة يمكن أن تجبر الدولة على تسوية التزاماتها فترة التغيب أو المشاركة غير الفعالة كما يطلق عليها البعض . إلا أن الدولة تحتاج لتسوية هذه الحقوق إذا ما فكرت في المستقبل القريب أو البعيد باستئناف عضويتها ، ولا يعني ذلك سداد كافة المستحقات ، ولكن التوفيق والتراضي بين الدولة والمنظمة .

أما بالنسبة لحقوق الدولة راغبة الانسحاب فإنها تظل تتمتع بها ، طالما لم يفصل نهائياً بموضوع عضويتها ، ويستمر هذا التمتع في فترة التهدئة ، والتي ميزناها عن فترة حظر الانسحاب أو فترة التعزيز كما آثرنا أن نطلق عليها ، إلا أن حقوق الدولة تتقيد بعدم تجاوز آثارها لما بعد انتهاء فترة التهدئة . فلا يحق لها المطالبة بتعيين أحد مواطنيها في منصب الأمين العام والذي تتجاوز فترة ولايته عضويتها في المنظمة ، كما لا يحق لها الاستفادة من قروض طويلة الأمد قد تتعدى فترة سدادها إلى ما بعد انتهاء عضويتها ، لأنه هناك ترابط بين الحقوق والالتزامات ، فلا تتمتع الدول بهذه الحقوق إلا إذا كانت تؤدي التزاماتها .

وفي النهاية نود التأكيد على أن هذه الدراسة هي مجرد محاولة لتنظير حق الانسحاب في المنظمات التي تجاهلت معالجته ، ولكن بما يخدم مصلحة المنظمة الدولية والدول الأعضاء فيها ، إلا أنها تظل مجرد محاولة تقبل إثبات العكس ، خاصة وأن الدول الأعضاء في المنظمات الدولية هي سيدة الموقف في الإصرار على الانسحاب وتحقيقه لآثاره .

([1] ) د.محمود سامي عبدالحميد ، “قانون المنظمات الدولية ، الجزء الأول : الأمم المتحدة” ، رمضان وأولاده للطباعة والتجليد ، (الاسكندرية ، 1997) ، ص 12 .

([2] ) انظر الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة ، ونص المادة 9 من ميثاق جامعة الدول العربية التي تنص على أن “لدول الجامعة العربية الراغبة فيما بينها في تعاون أوثق وروابط أقوى مما نص عليه هذا الميثاق اتخاذ ما تشاء لتحقيق هذه الأغراض”.

([3] ) د.محمـد الدقاق ، “التنظيم الدولي ، النظرية العامة – الأمم المتحدة” ، دار المطبوعات الجامعية ، (الاسكندرية ، 1994) ، ص 103.

([4] ) د.صلاح الدين عامر ، “قانون التنظيم الدولي ، النظرية العامة” ، دار النهضة العربية ، (القاهرة ، 1987) ، ص 358 .

([5] ) د.صلاح عبد البديع شلبي ، “المنظمات الدولية في القانون الدولي المعاصر والفكر الإسلامي” ، الطبعة الثانية ، د.ن ، (د.م ، 1996) ، ص 41.

([6] ) د. أحمد أبو الوفا ، “مجلس التعاون لدول الخليج العربية كمنظمة دولية” ، الطبعة الأولى ، دار النهضة العربية ، (القاهرة ، 1996) ، ص65 .

([7] ) تنص المادة 5 من ميثاق الأمم المتحدة على أن “يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قبله عملاً من أعمال المنع أو القمع عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها ، ويكون ذلك بناء على توصية مجلس الأمن ، ولمجلس الأمن أن يرد لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق”.

كما نصت المادة 6 من نفس الميثاق على أنه “إذا أمعن عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن”.

([8] ) كما حصل باندماج اليمن الجنوبي باليمن الشمالي لتبرز على السطح دولة جديدة اسمها جمهورية اليمن الديمقراطية عام 1991 ، وترتب على ذلك فقدان اليمن الجنوبي لمقعدها في كل من الأمم المتحدة والجامعة العربية .

([9] ) تنص المادة الأولى من ميثاق الجامعة العربية على أن “تتألف جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة الموقعة على هذا الميثاق . ولكل دولة عربية مستقلة الحق في أن تنضم إلى الجامعة…”.

([10] ) تضمنت المادة الثامنة من ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي على شروط الانضمام لعضوية المؤتمر الإسلامي حين ذكرت بأن يحق لكل دولة إسلامية أن تنضم إلى المؤتمر . وتكون الدولة إسلامية بتوافر أحد هذه المعايير: 1- المعيار الدستوري بأن ينص دستور الدولة على أن دينها هو الإسلام 2- المعيار السكاني بأن تكون نسبة السكان المسلمون في هذه الدولة لا يقل عن 50% 3- المعيار العربي فكل دولة عربية هي دولة إسلامية 4- المعيار الشخصي بقبول رئيس الدولة المتقدمة للعضوية شروط المنظمة الإسلامية . انظر :

د. عبدالرحمن الضحيان ، “المنظمات الدولية الإسلامية والتنظيم الدولي، دراسة مقارنة” ، (أبها ، 1991) ، ص275 .

([11] ) L’article 3 du statut du Conseil d’Europe dispose que “Tout membre du Conseil de l’Europe reconnaît le principe de la prééminence du droit et le principe en vertu duquel toute personne placé sous sa juridiction doit jouir des droits de l’homme et des libertés fondamentales . Il s’engage à collaborer sincèrement et activement à la poursuite du but défini au chapitre Ier”.

([12])  تنص المادة من النظام الأساسي لللأوبك على أن كما تنص المادجة من النظام الأساسي للأوبك على …….

 ([13])Mise à néant d’une acte administratif unilatéral par son auteur . Du point de vue du régime juridique applicable, il convient de distinguer: le retrait proprement dit, dont la portée est rétroactive; l’abrogation, dont les effets ne se produisent que du jour de son intervention. Raymond GUILLIEN et Jean VINCENT “LEXIQUE DE TERMES JURIDIQUES” , Dalloz , Paris , 1981 , PP.378-379 .

([14](  “The act of retreating from a place, position, or situation.” Bryan A. Garner Ed., Black’s Law Dictionary, Deluxe, 7th Ed..,  1999, at 1595.

([15] ) من التزامات العضوية أن تدفع الدولة نصيبها السنوي والمقرر في ميزانية المنظمة الدولية ، كما تلتزم بالمشاركة في سداد قيمة التعويضات التي تتحملها المنظمة الدولية ، وتلتزم الدولة بتقديم التقارير المطلوبة بشأن وضع الاتفاقيات الموقعة في ظل المنظمة موضع التنفيذ ، كما تلتزم بتنفيذ القرارات الصادرة من أجهزة المنظمة المختلفة ، وتلتزم بإعمال الحصانات التي يتمتع بها موظفو المنظمة الدولية…الخ .

([16] ) بعد انتهاء العضوية لا يحق للدولة الاستفادة من الأجهزة التابعة للمنظمة الدولية ، ما لم تسمح المنظمة بذلك – استثاءاً كما ورد في نص 32 و 35 و 50 من ميثاق الأمم المتحدة ، كما لا يحق لها أن تطالب بتعيين مواطنيها في الجهاز الإداري للمنظمة الدولية…الخ .

([17] ) كما يعتبر إبداء التحفظ على المعاهدة والانضمام إليها هما أيضاً من سمات المعاهدات الجماعية فقط ، أما المعاهدات الثنائية فلا يمكن إبداء التحفظ بشأن نصوصها ، كما لا يمكن الانضمام إليها ، لأنها غالباً ما تنضم مسألة خاصة تعني الطرفين فقط كترسيم الحدود .

([18] ) Paul Reuter , “Droit International Public” , éd. PUF ,  (Paris , 1993) ,  p.151 .

([19] ) أنظر :

د. محمد الدقاق ، مرجع سابق ، ص 103 ود. صلاح عبد البديع شلبي ، مرجع سابق ، ص41 .

([20] ) د. مفيد شهاب ،  “المنظمات الدولية” ، دار النهضة العربية ، (القاهرة ، 1990) ، ص 244 .

([21] ) عدد من المنظمات الدولية تنص على حق الانسحاب وإجراءاته كما هو الحال في عهد عصبة الأمم التي نصت في الفقرة الثالثة من المادة الأولى من عهدها على “أن لكل دولة عضو أن تنسحب من هذه المنظمة شريطة أن تعلن رغبتها هذه قبل الانسحاب بسنتين وأن تكون قد أوفت بالتزاماتها الدولية بما في ذلك تلك المنصوص عليها في عهد العصبة ذاته”.

وميثاق منظمة العمل الدولية الذي نص في الفقرة الخامسة من المادة الأولى على “لا يجوز الانسحاب من المنظمة دون إخطار سابق يوجه إلى المدير العام بعزمه على الانسحاب ، ويسري مفعول هذا الإخطار بعد سنتين من تاريخ تسلم المدير العام له ، بشرط أن يكون العضو قد أوفى بالتزاماته المترتبة على عضويته خلال تلك المدة…” ، كما تنص المادة 18 من ميثاق جامعة الدول العربية على أنه “إذا رأت إحدى دول الجامعة أن تنسحب منها أبلغت المجلس عزمها على الانسحاب قبل تنفيذه بسنة . ولمجلس الجامعة أن يعتبر أية دولة لا تقوم بواجبات هذا الميثاق منفصلة عن الجامعة وذلك بقرار يصدر بإجماع الدول المشار إليها” ، بينما تنص المادة 32 من ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية على أن “أية دولة ترغب في الانسحاب من المنتظم تقدم إخطاراً كتابيا بذلك إلى الأمين العام الإداري . ويصبح الميثاق غير نافذ بالنسبة لها بعد انقضاء عام واحد من تاريخ الإخطار ، ما لم تعدل عن طلبها خلال هذا العام وإلا انتهت عضويتها في التنظيم”.

Ainsi que l’article 7 du Statut du Conseil de l’Europe dispose que “Tout membre du conseil de l’Europe peut s’en retirer en notifiant sa décision au Secrétaire Général . La notification prendra effet à la fin de l’année financière en cours , si elle est intervenue dans les neuf premiers mois de cette année , et à la fin de l’année financière suivante , si elle est intervenue dans les trois derniers mois” .

كما أجازت المادة العاشرة من ميثاق المؤتمر الإسلامي لأي دولة من الدول الأعضاء  أن تنسحب من المؤتمر على أساس الشروط التالية : 1- تقديم إشعـار خطي للأمين العام بطلب الانسحاب ، وتبليغ جميع الدول الأعضاء بذلك .2- تؤدي الواجبات المالية التي عليها حتى نهاية السنة المالية المقدمة خلالها طلب الانسحاب . 3- أن تؤدي ما قد يكون عليها من ذمم مالية أخرى للمنظمة .

كمال ابراهيم يلي ، “مجموعة التشريعات الكويتية” ، تعليق على اتفاقية إنشاء الوكالة الدولية لضمان الاستثمار ، الجزء العاشر ، مجلس الوزراء ، إدارة الفتوى والتشريع ، (الكويت ، 1988) .

([22] ) كانت حجة الولايات المتحدة لتقديم طلب انسحابها من اليونسكو أن المدير العام في ذلك الوقت – أحمد مختار أمبو السنغالي الجنسية- قام بإدخال لمنظمة في موضوعات سياسية .

محمد الحسيني مصيلحي ، المنظمات الدولية ، 1-النظرية العامة للمنظمات الدولية ، 2-الأمم المتحدة ، 3-المنظمات الدولية المتخصصة المرتبطة بالأمم المتحدة ، دار النهضة العربية ، (القاهرة ، 1989) ، ص ص 622-623 .

([23] ) د.أحمد نبيل جوهر ، “قرارات منتظم الوحدة الأفريقية” ، منشأة المعارف ، (الإسكندرية ، 1987) ، ص ص 392-393 .

([24] ) تنص المادة 11 من ميثاق حلف وارسو لعام 1955 على أن “تسري هذه المعاهدة لمدة عشرين سنة . فإذا لم يعلن أحد الأطراف رغبته في إلغائها قبل سنة من نهاية فترة المعاهدة فإنها تسري لمدة عشرة سنوات أخرى”.

كما تنص المادة 13 من ميثاق الحلف الأطلسي لعام 1949 على أنه “يجوز لأي من الأطراف ، بعد دخول المعاهدة حيز النفاذ خلال عشرين عاماً ، أن يضع نهاية للمعاهدة فيما يتعلق به ، بعد عام من اخطار حكومة الولايات المتحدة بالالغاء ، التي تقوم باعلام الأطراف بايداع كل وثيقة إلغاء”.

كما ورد في نص المادة 65 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان الموقعة بين الدول أعضاء مجلس أوربا في عام 1950 والتي تنص على أن :

“1-Une Haute Partie contractante ne peut dénoncer la présente Convention qu’après l’expiration d’un délai de cinq ans à partir de la date d’entrée en vigueur de la Convention à son égard et moyennant un préavis de six mois , donné par une notification adressée au Secrétaire général du Conseil de l’Europ , qui en informe les autres Parties contractantes…”.

كما تحرم منظمة الحديد والصلب الأوربية الانسحاب خلال الخمسين سنة الأولى لقيامها .

أنظر :

د.يوسف محمد علوان ، “القانون الدولي العـام ، وثائق ومعاهدات دولية” ، (الأردن ، 1978) ، ص 534 و 536 .

Hubert THIERRY , “Droit et relations internationales” , éd. MONTCHRESTIEN , (Paris , 1984) , pp.275-276 et 351 .

([25] ) ورد في المادة 6 من اتفاق إنشاء البنك الدولي للإنشاء والتعمير ما يلي :

“Any member may withdraw from the Bank at any time by transmitting a notice in writing to the Bank at its principal office . Withdrawal shall become effective on the date such notice is received”.

([26] ) كما ورد في ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس أوربا ومنظمة الوحدة الأفريقية وجامعة الدول العربية…الخ .

انظر ما سبق في الهامش رقم 18 .

([27] ) د.صلاح الدين عامر ، مرجع سابق ، ص 358.

([28] ) محمد الحسيني مصيلحي ، مرجع سابق ، ص80 .

([29] ) Kelsen (H) , “Du droit de se retirer de l,ONU” , RGDIP , 1948 , p.5 etc.

([30] ) ورد في نص المادة 19 من دستور منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة بشأن الانسحاب على ما يلي :

“May give notice of withdrawal from the organization at any time after the expiration of four years from the date of its acceptance of this constitution ; The Notice of withdrawal of an associate member shall be given by the member Nation or authority having responsibility for its international relations ; Such notice shall take effect one year after the date of its communication to the Director-General. The financial obligation to the organization of member Nation which has given notice of withdrawal has been given shall include the entire calendar year in which the notice takes effect”.

([31] ) فقد نصت اتفاقية حلف الأطلسي في المادة 13 على فترة تهدئة لمدة عام بعد انقضاء فترة 20 عاماً من التعزيز .

([32] ) د.صلاح الدين عامر ، مرجع سابق ، ص ص360-361 .

([33] ) د.محمد طلعت الغنيمي ، “الأحكام العامة في قانون الأمم ، التنظيم الدولي” ، منشأة المعارف ، (الإسكندرية ، 1971) ، ص 570 .

([34] ) د. مفيد محمـود شهاب ، مرجع سابق ، ص 244 .

([35] ) د.صلاح شلبي ، مرجع سابق ، ص 116 .

([36] ) محمد الحسيني مصيلحي ، مرجع سابق ، ص 306 .

([37] ) د.محمد السعيد الدقاق ، مرجع سابق ، ص325 .

([38] ) د.صلاح الدين عامر ، مرجع سابق ، ص363 .

([39] ) Marie-Claude DOCK , “Le Rétrait des Etats Membre des Organisations Internationales de la Famille des Nations Unies” , AFDI , XL , éd. CNRS , (Paris , 1994) , p.108 .

([40] ) وبالفعل كان هذا السبب الصريح الذي تضمنه التصريح التفسيري الذي تبناه مؤتمر دمبارتن أوكس التحضيري معللاً عدم تطرق مشروع ميثاق الأمم المتحدة لحق الانسحاب .

Charles LEPEN , “Commentaire sur l’article 6 de la Charte des Nations Unies” , Jean-Pierre COT et Alain PELLET ,  “La Charte des Nations Unies , Commentaire article par article” , éd. ECONOMICA , 2e éd. (Paris , 1991) , P.205.

([41] ) وبالفعل فقد عزى الكثير من المراقبين فشل عصبة الأمم لأسباب عدة من أهمها انسحاب عدد من الأعضاء الدائمين وغير الدائمين .

أنظر :

د.عبدالرحمن الضحيان ، مرجع سابق ، ص134.

د.محمد مصيلحي ، مرجع سابق ، ص ص209-210.

([42] ) د. طلعت الغنيمي ، مرجع سابق ، ص 466 .

([43] ) عندما اجتمع مؤتمر سان فرانسيسكو لمناقشة مقترحات دمبارتن أوكس اختلفت وجهات النظر وانتهت اللجنة الفنية الثانية للجنة الخاصة الأولى إلى وضع تقرير وافق عليه المؤتمر جاء فيه ما يأتي :

“ترى اللجنة أن الميثاق لا ينبغي له أن يتضمن نصاً يجيز الانسحاب من الهيئة الدولية أو يمنعه ، على أنه إذا أحست دولة من الدول في ظروف استثنائية أن لا مناص لها من الانسحاب وإلقاء عبء حفظ السلام والأمن الدولي على عاتق الأعضاء الآخرين فليس مما يدخل في أغراض الهيئة أن ترغم مثل هذه الدولة على الاستمرار في هذا التعاون داخل الهيئة” . ولقد وردت الحالات الاستثنائية في التقرير على سبيل الحصر : 1- عجز المنظمة عن المحافظة على السلم الدولي 2- خروجها على مبادئ القانون والعدالة 3- إدخال تعديل على الميثاق لم توافق عليه الدولة وتسبب في التغيير في حقوقها 4- موافقة الدولة على تعديل أقرته الأغلبية المطلوبة ولكن لم يتم تنفيذه بسبب عدم توافر التصديقات اللازمة .

Marie-Claude DOCK , op. Cit. , p.110 .

([44] ) د.محمد طلعت الغنيمي ، “الوجيز في التنظيم الدولي” ، منشأة المعارف ، (الإسكندرية ، 1975) ، ص 132 .

و “الأحكام العامة في قانون الأمم” ، مرجع سابق ، ص466 .

[45] )) “Les Etats ne renoncent pas à leur souverainité en devenant membre d’une organisation , aussi longtemps qu’aucune organisation ne peut être qualifiée de (super-Etat)”.

Patrick Daillier et Alain Pellet , “Droit international public” , 5e éd. Éd. L.G.D.J , (Paris , 1994) , p.566.

([46] ) د.نايف علي عبيد ، “مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، من التعاون إلى التكامل” ، مركز دراسات الوحدة العربية ، سلسلة أطروحات الدكتوراه 28 ، (بيروت ، 1996) ، ص ص 108-109 .

([47] ) خالد الفيشاوي ، “التجمعات الإقليمية العربية” ، شؤون عربية ، العدد 71 ، سبتمبـر – أيلول 1992 ، جامعة الدول لعربية ، (القاهرة ، 1992) ، ص106 .

([48] ) د. نايف علي عبيد ، مرجع سابق ، ص ص 105-108 .

([49] ) نقصد بالمنظمات المغلقة تلك المنظمات التي تنحصر عضويتها على مجموعة الدول المؤسسة دون غيرها ، وبالتالي لا يمكن الحديث عن حق الانضمام في ظل هذه المنظمات ، بخلاف المنظمات المغلقة هناك المنظمات المفتوحة التي تفتح باب العضوية لكافة دول العالم التي تتوافر فيها شروط العضوية ، ولا تقتصر على عضوية الدول المؤسسة .

([50] ) د. نايف علي عبيد ، مرجع سابق ، ص 145 .

([51] ) شجع ميثاق الأمم المتحدة في فصله الثامن على الإكثار من إنشاء المنظمات الإقليمية ، ونص المادة 22 من النظام الأساسي بإيداع نسخة من النظام لدى أمانة الأمم المتحدة ،

([52] ) انظر :

البيان الختامي للدورة الأولى للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، دولة الإمارات العربية المتحدة (أبو ظبي ، مايو 1981) .

البيان الختامي للدورة التاسعة للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، دولة البحرين (المنامة ،ديسمبر 1988).

البيان الختامي للدورة الرابعة عشر للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، المملكة العربية السعودية ، (الرياض ، ديسمبر 1993) .

البيان الختامي للدورة الخامسة عشر للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، دولة البحرين ، (المنامة ، ديسمبر 1994) .

([53] ) البيان الختامي للدورة الأولى للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، دولة الإمارات العربية المتحدة (أبو ظبي ، مايو 1981) .

البيان الختامي للدورة الثانية عشرة للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، دولة الكويت ، (الكويت ، ديسمبر 1991) .

إعلان مسقط ، الصادر عن الدورة العاشرة للمجلس الأعلى ، 21 ديسمبر 1989 .

([54] ) ورد في نص المادة 20 من النظام الأساسي فإنه يحق “1- لأي دولة عضو طلب تعديل هذا النظام. 2- يقدم طلب التعديل للأمين العام الذي يتولى إحالته للدول الأعضاء وذلك قبل عرضه على المجلس الوزاري بأربعة أشهر على الأقل. 3- يصبح التعديل نافذ المفعول إذا أقره المجلس بالإجماع”.

([55] ) د.صلاح الدين عامر ، مرجع سابق ، ص ص360-361 .

([56] ) د. طلعت الغنيمي ، مرجع سابق ، ص 465 .

([57] ) د.محمد طلعت الغنيمي ، مرجع سابق ، ص 466 .

الى الأعلى