ان اقتناع الدول بأهمية تنظيم التجارة وتقنين أساليبها وقواعدها كان وراء العمل من أجل انشاء منظمة دولية تلعب دور المنظم والمنسق بين الدول الأعضاء. وهذه الأهمية كانت وراء اقبال جل دول العالم للإلتحاق بركب هذه المنظمة الحديثة النشأة والتي فاقت في أهميتها ولفت الانتباه نحوها ما لاقاته منظمات دولية أقدم وأعرق منها.
إن الإقبال الحثيث للدول نحو اللحاق بركب هذه المنظمة يفتح الباب للتساؤل حول نظام العضوية في منظمة التجارة العالمية، ومن له حق التمتع بهذه العضوية، وأشكالها، وما يعتري هذه العضوية من عوارض.
أولاً: من له حق التمتع بعضوية منظمة التجارة العالمية:
لكل من الدول والأقاليم الجمركية حق التمتع بعضوية منظمة التجارة العالمية.
1) عضوية الدول: بما أن منظمة التجارة العالمية هي إحدى الكيانات الدولية التي وجدت لتنظم العلاقات- التجارية- بين الدول، فإن الدول تعتبر الركيزة الأساسية في نظام العضوية في هذه المنظمة، بالتالي لا يتصور وجودها دون عضوية الدول، والتي تعتبر الشخص القانوني الرئيسي في القانون الدولي. وقد بلغ عدد أعضاء منظمة التجارة العالمية حتى أواخر العام 2002 نحو 140 عضو من الدول.
2) عضوية الأقاليم الجمركية: تجاوباً مع الطبيعة الخاصة لمنظمة التجارة العالمية، فإن نظام العضوية يمتاز بإعطاء الأقاليم الجمركية أو المنظمات الإقتصادية الحق في التمتع بعضوية منظمة التجارة العالمية، كما هو الشأن بالنسبة لعضوية الإتحاد الأوروبي.
إلا أنه من الضروري التأكيد على أن منظمة التجارة العالمية قد ميزت بين نوعين من الأعضاء، الأصليين والأعضاء بالإنضمام.
ثانياً: أنواع العضوية في منظمة التجارة العالمية:
ميز الاتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية بين نوعين من الأعضاء، الأصليين والأعضاء بالإنضمام:
1) العضوية الأصلية: أو العضوية بالتأسيس، ويتمتع بها الأعضاء الذين شاركوا في الأعمال التحضيرية لنشأة المنظمة الدولية وكانوا من أوائل من التحق في ركبها عندما رأت النور. وتحدد بعض المنظمات الدولية في نظامها الأساسي الأعضاء الذين يتمتعون بوصف الأعضاء الأصليين كما هو شأن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) في المادة السابعة من نظامها الأساسي التي تنص على أن "أعضاء المنظمة المؤسسين هم الأطراف الموقعون على هذه الاتفاقية."
أما بالنسبة لمنظمة التجارة العالمية فقد حددت أن الأعضاء المؤسسين هم:
أ- جميع الدول وأعضاء الاتحاد الأوروبي، الأطراف في اتفاقية الجات لعام 1947، والتي قبلت باتفاقية مراكش واتفاقيات الاتجار الجماعي الملحقة بها، والتي ألحقت جداول تعهداتها وتنازلاتها باتفاقية جات 1994. ودولة الكويت قدمت عروضها لتحرير لمنظمة التجارة العالمية والتي لاقت قبولاً لدى المنظمة والدول الأعضاء، فوقعت على اتفاقية الجات لعام 1994، وصدقها مجلس الأمة في العام 1995، وبالتالي فإنها تندرج تحت مظلة الأعضاء الأصليين لمنظمة التجارة العالمية.
ب-الدول التي وقعت على اتفاقية الجات بعد جولة الأورغواي 1994 وقبل دخول الاتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية حيز النفاذ، أي بين 1994 و 1995.
ج-الدول التي شاركت في جولة الأورغواي 1994، إلا أنها لم تستكمل مفاوضات العضوية حتى عام 1995.
2) العضوية اللاحقة: أو العضوية بالإنضمام، ويتمتع بها الأعضاء الذين لم يلعبوا دوراً فاعلاً في الأعمال التحضيرية لنشأة المنظمة، فشاركوا بصفة مراقب، أو لأنهم لم يلتحقوا بعضوية المنظمة الدولية بمجرد انبعاث الحياة بها، وآثروا الانتظار حتى تمارس أنشطتها والتحقق من نجاحها وأهميتها لتنظيم علاقتهم الدولية مع أقرانهم، من خلال الانضمام اللاحق. وقد تمتعت الأردن وعمان وألبانيا وكرواتيا على سبيل المثال بالعضوية اللاحقة لمنظمة التجارة العالمية.
ومسألة التفرقة بين الأعضاء الأصليين واللاحقين هي مسألة محض شكلية، ولا تتعدى حدود القيمة التاريخية، ما لم تخص المنظمة الدولية للأعضاء الأصليين مزايا معينة دون سواهم من الأعضاء اللاحقين. وبالفعل فقد خصت المادة السابعة من نظام نشأة الأوابك أعضائها الأصليين بحقوق لا يتمتع بها الأعضاء اللاحقين، كحقهم في تعطيل انضمام أي عضو جديد للمنظمة.
ثالثاً: اجراءات الإنضمام لعضوية منظمة التجارة العالمية:
لا تحتاج الدول المؤسسة لإجراءات معينة بشأن التمتع بعضوية منظمة التجارة العالمية، فمجرد تواجدها في مركز قانوني معين في وقت زمني معين بحد ذاته كفيل بتمتعها بالعضوية الأصلية لمنظمة التجارة العالمية. فالتوقيع على اتفاق الجات قبل دخول الاتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية حيز النفاذ والقبول بهذا الأخير والاتفاقات التجارية الملحقة به كفيل بتمتع الدولة أو الإقليم الجمركي بالعضوية الأصلية لمنظمة التجارة العالمية.
وبالنسبة للعضوية اللاحقة لمنظمة التجارة العالمية فتتم وفقاً للإجراءات التالية:
تلتزم الدولة أو الإقليم الجمركي بتقديم طلب رسمي مكتوب للمدير العام، يتضمن هذا ابداء الرغبة بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية. وبدوره يحيل المدير العام للمنظمة هذا الطلب للمجلس العام، الذي يأخذ طلب الانضمام في اعتباره ومن ثم تشكيل فرق عمل من الدول الأعضاء لدراسة كل طلب من طلبات الانضمام، مع العلم أن عضوية هذه الفرق مفتوحة لكافة الدول الأعضاء دون استثناء. ويمكن لكل عضو أن يكون ممثلاً في أكثر من فريق من فرق العمل. ويتولى أعضاء كل فريق من هذه الفرق اختيار رئيسه من بين الأعضاء، وذلك بعد التشارو مع منظمة التجارة العالمية والدولة طالبة العضوية. تتولى هذه الفرق دراسة شروط وضوابط انضمام كل مرشح على حدة، استناداً لنص المادة 12 من الاتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية.
من الملاحظ مدى التشعب الذي يلعبه أعضاء منظمة التجارة العالمية، بحيث يمكن أن نرى في ذات الفترة الزمنية فرق عمل متعددة تبحث في عضوية كيانات متعددة. إلا أن هذا التشعب لن يدوم، فهو في أقصى درجاته بعد نشأة المنظمة وإقبال الدول والأقاليم الجمركية المتواتر من أجل التمتع بعضويتها، إلا أنه بمجرد انضمام كل أو معظم دول العالم وأقاليمها الجمركية للمنظمة فلن، أو قلما سنرى فرق عمل للبحث في قبول كيانات جديدة.
يلتزم الكيان المرشح للعضوية – دولة أو اقليم جمركي – بتقديم تقرير مفصل بإحدى اللغات الرسمية لمنظمة التجارة العالمية بالتنازلات والتعهدات والتشريعات المحلية ذات الصبغة الدولية. وبعد أن يقدم العضو ما لديه بتقرير مفصل يبني أعضاء فريق العمل أسئلتهم واستفساراتهم بناء على ما قدمه وما تجاهله العضو من معلومات. من الجدير بأن ما تقدمه الدولة من وثائق لتعزيز طلب العضوية تكون غير قابلة للنشر لحين تمام عضويتها.
يحدد الرئيس موعد الجلسة اللاحقة لفريق العمل لدراسة التقرير وبحث ردود طالب العضوية على استفسارات الأعضاء. وبشكل موازي تجري الدولة نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً من المفاوضات الثنائية والجماعية بحسب الأحوال من أجل ايصال وجهة نظرها لدى بقية الأعضاء وضمان دعمهم وفقاً لما تتوصل إليه هذه المفاوضات. بما أن شروط العضوية غير واضحة في منظمة التجارة العالمية، فإنها أحياناً تسير بسهولة ويسر، وأحياناً أخرى تكون أكثر تعقيداً وأطول أمداً لدرجة أن وصفها البعض بأنها قد تصل إلى مستوى جولات التفاوض الجماعي. فعلى سبيل المثال استغرقت الصين خمسة عشر عاماً من المفاوضات قبل الحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية. وهنا يعاب على نظام العضوية اعتماده على المفاوضات الثنائية أو الجماعية بين الدول الأعضاء، الأمر الذي يجعل بعض جولات المفاوضات سلسة وسهلة وسريعة، وذلك بسبب قوة موقف طالب العضوية أو معادلتها بالنسبة للعضو المفاوض. أما إذا كان العضو في مركز قانوني أقوى من طالب العضوية، فتتحول المفاوضات إلى نوع من أنواع الضغط والإكراه والابتزاز. والمكاسب التي تثمر عنها هذه المفاوضات تنسحب تلقائياً - استناداً لمبدأ عدم التمييز بين الأعضاء في المعاملة - لصالح كافة الدول أعضاء المنظمة.
وجدير بالذكر بأن منظمة التجارة العالمية تتجه، استناداً لنص المادة 11(2)، نحو تسهيل اجراءات انضمام الدول الأقل نمواً، فلا تتطلب منها "...تقديم تعهدات أو تنازلات إلا في الحدود التي تتفق مع مرحلة تنمية كل منها واحتياجاتها المالية والتجارية وامكاناتها الإدارية والمؤسسية..." وبالتالي فإن المفاوضات الثنائية والجماعية لا تأخذ وقتاً أو عمقاً. وقد أكدت أجندة الدوحة هذا التوجه حين نصت على جعل انضمام الدول الأقل نمواً من أولويات العمل في منظمة التجارة العالمية. كما اتفق الأعضاء على دفع عجلة المفاوضات وتسهيلها بالنسبة للدول الأقل نمواً طالبة العضوية. ويهدف هذا التساهل بشأن عضوية هذا النوع من الدول إلى تحقيق العولمة الكاملة للمنظمة، دون الخوف من اضرارها على المصالح التجارية لبقية الدول الأعضاء، وذلك بسبب ضعف الدور التجاري العالمي لهذه الفئة من الدول.
بعد منح المجموعة الأوروبية العضوية الأصلية، فتحت منظمة التجارة العالمية باب العضوية لبقية الأقاليم الجمركية. ولا تختلف اجراءات انضمام التكتلات الجمركية عن اجراءات انضمام الأعضاء الداخلة في عضويتها، فيتبع الإقليم الجمركي الذي يضم دولاً أقل نمواً ذات اجراءات انضمام الدول الأقل نمواً، والإجراءات التقليدية بالنسبة لبقية الأقاليم الجمركية الأخرى. ومن شأن تزايد عضوية الأقاليم الجمركية أن ييسير التعامل في إطار منظمة التجارة العالمية. فهذه الأقاليم تنيب أحد أعضائها للتحدث باسمها، وتأخذ مواقف متطابقة خلال العمليات التصويتية، مما يوفر الجهد والوقت على بقية الأعضاء.
وميزة دخول الأقاليم الجمركية لمنظمة التجارة العالمية وما يلحقها من اتفاقيات، هو أن المنظمة تعامل هذه الأقاليم بما تحتويها من دول كأنها عضو واحد بشأن تبادلاتها التجارية، وما يحدث بين أعضاء هذه الأقاليم تنظر له المنظمة على أنه من الشئون الداخلية لهذا العضو وليس علاقة بين عضوين. ولقد كان هذا التمييز مدعاة للعديد من الدول من أجل الدخول في تجمعات اقتصادية اقليمية تعزز مركزهم التفاوضي في عضوية منظمة التجارة العالمية. لذا فإن زيادة معدل التجارة البينية بين أعضاء هذه الأقاليم الجمركية لا تكيّف على أنها تجارة بين عضوين وبالتالي تطبق القيود التجارية للمنظمة، بل على أنها تجارة في نطاق نفس العضو.
ويعتبر الاتحاد الأوروربي أفضل الاتحاد الجمركية والتي استحقت بجدارة العضوية الأصلية لمنظمة التجارة العالمية. ويعود هذا التمييز إلى حقيقة أن للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سياسة تجارية موحدة، ووصل بأعضائه التفاهم إلى جعل ممثل اللجنة الأوروربية يتولى الحديث باسم جميع الدول الأعضاء أمام اجتماعات منظمة التجارة العالمية. وعلى الرغم من تواجد أقاليم جمركية في مناطق متفرقة من العالم، دول الآسيان والنظام الاقتصادي لأمريكا اللاتينية وأعضاء اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، إلا أن أياً منها لم يصل بعد إلى مستوى الاتحاد الأوروبي. وبحلول العام 2006، وما يمكن أن يترتب عليه من توحيد التعرفة الجمركية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يمكن لمجلس التعاون الخليجي أن يطالب بعضويته كإقليم جمركي، لدى منظمة التجارة العالمية، وحتى ذلك الوقت لا بد من تنسيق دول المجلس لمواقفها ودعم سياساتها لدى منظمة التجارة العالمية.
تتمخض المرحلة الختامية للقبول في عضوية منظمة التجارة العالمية عن ثلاث وثائق: تقرير فريق العمل ومسودة بروتوكول العضوية وجداول بالتعهدات والتنازلات التي تقدم بها طالب العضوية وأقرها كمقابل للعضوية في منظمة التجارة العالمية. ترفع فرق العمل هذه الوثائق للمجلس العام في حال انعقاده، أو للمجلس الوزاري بين أدوار الانعقاد من أجل اعتمادها، بأغلبية ثلثي الأعضاء في حال غياب القرار التوفيقي، ومنح المتقدم العضوية الكاملة لمنظمة التجارة العالمية.
بعد صدور قرار المجلس بشأن العضوية، تلتزم الدولة خلال ثلاثة شهور باتخاذ اللازم من اجراءات التصديق وفقاً للقوانين الوطنية، على أن تعتبر العضوية كاملة وفعلية بعد مضي ثلاثين يوماً من تاريخ ابلاغ المنظمة بتمام اجراءات التصديق.
رابعاً: نظم الخروج على التزامات العضوية في منظمة النجارة العالمية:
لرفع أي تعارض بين ميثاق المنظمة ورغبة احدى الدول الراغبة في الانضمام، تسمح بعض مواثيق انشاء هذه المنظمات لدولة ما بالتحفظ على بعض النصوص، والانضمام لها دون هذه النصوص، كما هو الشأن في الميثاق التأسيسي للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. ولم تسمح منظمة التجارة العالمية للدول راغبة الانضمام بالتحفظ على أي من نصوصها. فقد نصت المادة 16 (5) على أنه
لا يمكن ابداء تحفظات بخصوص أي نص في هذا الاتفاق. ولا يمكن ابداء أي تحفظ بشأن نصوص الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف إلا بالقدر المنصوص عليه في هذه الاتفاقات. كما أن التحفظات الخاصة بنص في اتفاق تجاري جماعي يحكمها نصوص هذا الاتفاق.
إلا أن حظر ابداء التحفظات أمام المنظمة العالمية للتجارة، قد استبدل بأسلوب أكثر عملية بحيث يتجاوب مع متطلبات الدولة طالبة العضوية، ولا يؤثر في عولمة النظام التجاري لبقية الدول الأعضاء. فقد سمحت المادة 9 (3-4) لطالب العضوية، وفق شروط معينة، بإدراج بعض الاستثناءات على التزامات الاتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية والاتفاقيات الملحقة به.
وبالنسبة لنا فإن الإستثناء والتحفظ لهما ذات الأثر القانوني، فكلاهما يعطل العمل بأحد التزامات الاتفاقية. إلا أن التحفظ لا يحتاج ابدائه لأسباب مقنعة ويدخل حيز النفاذ بمجرد ابداء الدولة لتحفظها، أما بالنسبة لنظام الاستثناءات في المنظمة العالمية للتجارة فيشترط وجود ظروف استثنائية تبرر التمسك بهذه الاستثناءات ولا بد من صدور قرار من المجلس الوزاري بقبول هذا الاستثناء. كما أن التحفظ يبقى سارياً لحين تقرر الدولة المتحفظة سحب هذا التحفظ، أما بالنسبة للإستثناء فيخضع لنظام المراجعة الدورية والتجديد السنوي له لحين اتخاذ المجلس الوزاري قراره بعدم الحاجة لهذا الاستثناء.
خامساً: الانسحاب أهم عوارض العضوية:
آثرت بعض المنظمات الدولية تبني موقف عدم النص على حق الدول بالانسحاب من المنظمة الدولية، كما هو الحال بالنسبة لمنظمة الأمم المتحدة. أما البعض الآخر من المنظمات الدولية فقد نص ونظم هذا الحق، ولم يترك مجالاً للجدل بهذا الخصوص، وهو الموقف الذي تدخل منظمة التجارة العالمية تحت مظلته. وقد تضمن اتفاق انشاء منظمة التجارة العالمية نوعين من أنواع الانسحاب: انسحاب بالإرادة المحضة للدولة، والإنسحاب بسبب تعديل الأجزاء 1، 2، 3 من الإتفاق العام بخصوص تجارة الخدمات. وفقاً للنوع الأول يمكن لكل عضو من الأعضاء، لأي سبب من الأسباب التي تستدعي في سلطته التقديرية، الانسحاب من الاتفاق النشئ للمنظمة، والذي يسري بالتبعية على الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف. وينفذ هذا النوع من الانسحاب بعد مضي ستة أشهر على اخطار المدير العام للمنظمة برغبة الانسحاب. وقد فرضت هذه الفترة الزمنية للسماح للدول الأعضاء الدخول في مفاوضات مع العضو طالب الانسحاب للحفاظ على مصالحهم التجارية التي قد تتأثر جراء الانسحاب.
أما وفقاً للنوع الثاني، فيمكن للمجلس الوزاري أن يقرر بأغلبية ثلاثة أرباع أن طبيعة التعديل، وفقاً لنص المادة 10 (5)، تستدعي منح أي عضو لم يقبل به حق الانسحاب خلال فترة محددة يقررها المجلس الوزاري. وبالتالي فإن طبيعة هذه التعديلات، وفقاً لتقدير المجلس الوزاري، تستدعي فتح الباب للدول المتضررة منه بالانسحاب من عضوية المنظمة. وفي مثل هذه الحال لا يجب الاعتداد بفترة الستة أشهر الانتقالية الواردة بالنسبة للإنسحاب في الحالة الأولى. وبهذا الشأن فقد وصف البعض الانسحاب في الحالة الأولى بأنه انسحاب مؤجل أما في الحالة الثانية فإنه انسحاب معجل.
وعلى الرغم من عدم نص الاتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية على عقوبات تتعلق بالعضوية كالطرد أو الإيقاف، فليس هناك ما يمنع من قيام المجلس الوزاري باتخاذ اجراءات عقابية بحق أحد الأعضاء الذي ينتهك الاتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية والاتفاقيات الملحقة به انتهاكاً جوهرياً وبشكل صارخ، خاصة إذا ما فشلت الآليات التي شرعتها منظمة التجارة العالمية في الحد أو القضاء على هذا الضرر. ووفقاً للنظرية العالمة في المنظمات الدولية فإن اتفاق أعضاء المنظمة الدولية على ضرر استمرارية عضوية احد الكيانات على مصالح العمل وأهداف المنظمة يتطلب حسم هذه العضوية ووضع نهاية لا رجعة فيها فيطرد العضو أو انهاء مؤقت فتوقف العضوية. ووفقاً لنص المادة الرابعة من الاتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية "يضطلع المجلس الوزاري بمهام المنظمة ويتخذ الاجراءات اللازمة لهذا الغرض."
ويملك المجلس العام، بناءاً على اقتراح لجنة الميزانية والمالية والإدارة، اختصاصاً مماثلاً بشأن تأخير الدول في سداد مساهماتها في ميزانية المنظمة. فقد نصت المادة 7 (2) (ب) على أن "تقترح لجنة الميزانية والمالية والإدارة على المجلس العام انظمة مالية تتضمن أحداماً تحدد ... الاجراءات التي تتخذ بشأن الأعضاء الذين يتأخرون عن سداد مساهماتهم" وقد فسر البعض هذه الإجراءات على أنها اجراءات عقابية تتعلق بالعضوية وحقوقها.
الخلاصة:
إن تنمية الاقتصاد الدولي تعتبر من أسس تدعيم النظام العالمي، وحفظ السلم والأمن الدوليين. فحين يعم الرخاء الإقصادي حول العالم، تزول الحاجة للإستئثار بهذا المصدر أو ذاك وبالتالي تضمحل النزاعات الدولية. وقد أكد ميثاق الأمم المتحدة على أهمية التعاون الدولي من أجل تحقيق الرخاء الاقتصادي لكافة الشعوب حين نص في المادة الأولى (3) على أن من مقاصد الأمم المتحدة "تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية."
ولكن بدراسة نظام العضوية في منظمة التجارة العالمية تكشّف لنا أن هذا النظام الدولي يحقق المزيد من ترسيخ مراكز الضعف والقوة لدى الدول الأعضاء. فمسألة تقسيم الدول الأعضاء إلى أعضاء أصلية وأعضاء لاحقة وتفضيل الأولى بمركز قانوني إفضل من المركز القانوني الذي تتمتع به الثانية، فالثانية تلتزم بتقديم التنازلات والتعهدات حتى تحظى بالعضوية، من شأنه أن يؤدي إلى الحيلولة دون تحقيق النظام الاقتصادي الموحد. كما أن الارتكاز على المفاوضات الجانبية كإجراء ضروري لتمام العضوية من شأنه أن يزيد القوي قوة والضعيف ضعفاً. وبالفعل فقد تنبأ البعض بأن الدول الصناعية ستفرض سيطرتها على مسيرة العمل في منظمة التجارة العالمية.
فعلى الرغم من دعوة الكثير من فقهاء قانون المنظمات الدولية لتطبيق مبدأ المساواة المطلقة بين أعضاء المنظمات الدولية، إلا أنه من غير المناسب تطبيق مثل هذه الدعوة بشأن منظمة التجارة العالمية، فطلب ذات الالتزامات من عضوين أحدهما له تاريخه في مجال الصناعة والتجارة والتكنولوجيا، والآخر مبتدئ أمر غير عادل، خاصة إذا كانت ذات السلعة التي ينتجها الأول تكلف الثاني أضعاف ما تكلف الأول. "فالمساواة بين دول غير متساوية من الناحية الفعلية يؤدي إلى عدم العدالة." وعليه لا يمكن أن نطالب دولة الكويت بأن تفرض تعرفة معادلة لتعرفة الولايات المتحدة الأمريكية على بضاعة تنتجانها محلياً، خاصة وأنها تكلف الكويت أضعاف ما تكلف الولايات المتحدة. ومن الأصلح تشجيع دولة الكويت واعطائها فرصة لفرض تعرفة جمركية على بضاعة الولايات المتحدة الداخلة في الكويت لتحقيق مساواة في السعر، وذلك لفترة مناسبة تسمح لدولة الكويت بالتقدم التكنولوجي وتخفيض تكاليف هذه السلعة للوصول لمعدلات الولايات المتحدة.
بما أن منظمة التجارة العالمية منظمة تجارية يؤثر ويتأثر بأعمالها القطاع الخاص في كل دولة من الدول، كما يتأثر بقراراتها المستهلكون من الأفراد، لذا كان حرياً بها أن تنتهج أسلوب العمل في منظمة العمل الدولية (ILO) من خلال إشراك الأفراد في التمثيل الحكومي، إدخال أصوات المستهلكين (ممثلين بجمعيات النفع العام المعنية بحماية المستهلك) وممثلي التجار ورجال الأعمال ( ممثلين بالغرف التجارية الوطنية) جنباً إلى جانب الصوت الحكومي. وإن كنا نشجع الذهاب أبعد من ذلك باعتماد هذه الكيانات الخاصة أعضاءاً إلى جانب الدول والأقاليم الجمركية بحيث يتمتعون بحقوق شأنهم شأن بقية الأعضاء، كما قامت بذلك المنظمة العالمية لصون الطبيعة (IUCN)، خاصة وأن ما تتخذه المنظمة من أعمال يمكن أن يشكل مصدراً من مصادر القانون الدولي.
تم بحمد الله 01/02/03